مقالات

خطيب بدلة – بيروت .. حلب بلا براميل

شَرَحَ صديقُنا الشاعر السوري الظريف ذو الاسم الطويل، محمد فؤاد محمد فؤاد بركات، الذي اعتدنا أن نختصر اسمه إلى (فؤاد)؛ لمن يهمه الأمر، أن عبارة (بيروت.. حلب بلا براميل) تعني، بالضبط، أن بيروت تشبه حلب في كل شيء؛ كانقطاع الكهرباء والماء، والحَرّ الشديد (الشوب)، وتراكم الزبالة في الطرقات..

ولكنّ بيروت لا تسقط فوقها براميل. والحقيقة التي لا يرقى إليها الشك أن سقوط البراميل فوق مدينة حلب توقف، ثماني وأربعين ساعة متواصلة، إثر تَعَرُّض معامل الدفاع في بلدة السْفِيْرة إلى قصف من طائرات مجهولة الهوية.. وهذا العمل، أصبح، هو الآخر، بحاجة إلى شرح، من فؤاد أو من غيره، لأننا، في السابق، كنا نجزم بأن أية طائرات تقصف مواقعَ سورية، وتَردُّ عليها المضادات الإعلامية السورية بإعلان الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين، إنما هي طائرات إسرائيلية.

أما اليوم فالدول التي تُرسل طائراتها لكي تُؤَاجِر بالقصف على سورية؛ ما عاد بالإمكان إحصاءُ عددها، وقد أضيفت إليها طائرات تركيا، الدولة التي تقول المعارضة إنها صديقة للشعب السوري؛ ويقول النظام إنها معادية للشعب السوري. وأضيف إليها تفسير غريب من نوعه، هو أن تركيا تَقَصَّدَتْ قصفَ معامل السفيرة، بالذات، لعلمها أنها المكان الوحيد الذي تُصنع فيه البراميل، والبراميل، بحسب الشاعر فؤاد، هي التي تجعل حلب مختلفة عن بيروت. تَذَكَّرَ السوريون، إبَّان وقوع هذه الأحداث الدراماتيكية، فصلاً ظريفاً من رواية الكاتب التركي الساخر، عزيز نيسين (زوبك)، إذْ يقول حمزة بيك جفتفران أوغلو للولد المنحوس الملقب (عَدُوّ نفسه)، حينما يرتكب عملاً حقيراً: اذهب إلى أبيك، وقل له ألا يَشُكَّ بأمانة أمك، لأن أفعالك المطابقة لأفعاله تجزم بأنه أبوك. وأما أهلُ حلب، فحينما توقف هطول البراميل فوق رؤوسهم ثماني وأربعين ساعة، أصبحوا يشكون بأن بشار الأسد، المتوقف عن القتل (هاليومين) ليس ابن الجنرال حافظ الأسد الذي كان يقتل السوريين، وينكل بهم بدم طوال أيام السنة،.. لكنهم، حينما استؤنفت عملية إسقاط البراميل فوق رؤوسهم، استغفروا الله، واستذكروا الآية الكريمة (إن بعض الظن إثم)، ورددوا عبارة كان المذيع المرحوم مروان شيخو يُرَكِّزُ عليها في أثناء تأبين باسل الأسد: هذا الشبل من ذيّاك الأسد.

السفيرة، لمن لا يعلم، من المدن الفقيرة بالأشجار والأنهار والخضرة والوَجْه الحَسَنْ. ومع ذلك، كان يؤمها عددٌ لا يمكن إحصاؤه من عناصر مخابرات الدول الحريصة على أمن إسرائيل، على هيئة سياح. يأتون بسبب ما يتسرب إليهم من معلومات تفيد بأن معامل الدفاع الموجودة فيها تُنتج الكيماوي، وربما الذَّرّي. وعلى ما يبدو أن الأسلحة الكيماوية التي تبرع بها ابنُ حافظ الأسد للمجتمع الدولي لم تشفِ غليلَ هاتيك الدول، فاستغلت طائراتُها اختلاط حابل القصف على سورية بنابله، وآجَرَتْ فيها.

لو أراد الشاعر فؤاد أن يُجْهِدَ نفسه بالاستمرار في شرح كل الملابسات التي تتعلق بالبراميل، لقال إنها سلاحٌ أنتجَهُ نظام حافظ الأسد في عهد وريثه القاصر، أنتجه من باب النكاية بما يُعْرَفُ باسم (الأسلحة الذكية). إنه سلاحٌ يشبه مدفع رمضان الذي كان الأهالي، في الخمسينات والستينات، يستخدمونه للإعلان عن السحور والإفطار، فيحشوه ضاربُ المدفع بالخرق والمسامير والخيطان والكراكيب وكل الأشياء عديمة النفع. أما صناعيو ابن حافظ الأسد فيحشون براميلهم بمكسرات قضبان السكك الحديدية، وشظايا القذائف التي سبق لهم أن قَتَلوا بها بعض السوريين، ونضوات البغال والكِدْش، وسكائب الرصاص، وأقفال صناديق الذخيرة، وفوارغ الرشاشات والقذائف المدفعية. وهذا السلاح، بسبب بؤسه، وتخلفه، لا يحتاج إلى مدينة مهمة عالمياً مثل السفيرة، بل يمكن أن يُصنع في الزرائب والإسطبلات وكل الأماكن التي تليق بنظام مهترئ، يلفظ أنفاسه الأخيرة.  

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى