مقالات

القدس العربي – هل تتخلى إيران عن «حسن نصر الله العراقي»؟

يقترب المشهد العراقي بسرعة من ساعة الحقيقة. هذا ما يتمناه الآلاف من العراقيين الذين يواصلون التظاهر للمطالبة بتوسيع الاصلاحات، وعدم الاكتفاء بما اتخذ من اجراءات.

اما رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي طالما انهمرت عليه عبارات المديح في ايران باعتباره «زعيما اسلاميا بارزا»، بل وذهب البعض هناك لاعتباره «قائدا يوازي في ثقله السياسي زعيم حزب الله اللبناني حسن نصرالله»، فله رأي مختلف. هذا ما يبدو جليا من تصريح قال فيه ان احالته الى القضاء مع خمسة وثلاثين آخرين متهمين بالتسبب في سقوط الموصل (قرار بلا قيمة).

ومن الخطأ التقليل من اهمية الثقة الزائدة التي تفوح من هذا التصريح بالنظر الى ما تملكه ايران من نفوذ سياسي وامني في العراق. ولا بد انه سمع في طهرن نوعا من التطمينات، خاصة انها تشعر بانزعاج متصاعد من استمرار المظاهرات، وترى أن تضحية العبادي ببعض الأحزاب والشخصيات «تصفية سياسية».

ومن المهم ان يتمهل المراقب هنا قبل اصدار اي حكام مطلقة، فايران قادرة سياسيا على عرقلة عمل البرلمان والحكومة في العراق من خلال نفوذها لدى كثير من الأحزاب والكتل الشيعية. كما ان رئيس الوزراء حيدر العبادي لا يستطيع التخلي عن دعمها المعلن لقوات الحشد الشعبي التي تعتبر القوة الرئيسية في محاربة تنظيم «الدولة».
ولعله كان يلمح لايران وبعض وكلائها عندما قال امس ان «هناك من يريد تدمير العملية السياسية في العراق». يذكر ان المالكي كان انتقد المظاهرات لدى اندلاعها وقال انها «ستنشر الخراب في العراق»، في تصريح بدا اقرب الى التهديد منه الى التنبؤ.

اما المرجعية العليا في النجف، فبدت امس وكأنها رفعت الغطاء ضمنيا عن المالكي عندما حملت حكومته مسؤولية انتشار الفساد، وحذرت من ان البديل الحتمي لعدم استكمال الاصلاحات سيكون الانهيار والتقسيم.

وحتما سيقرأ البعض هذا الموقف لآية الله السيستاني على أنه «رسالة تنبيه» الى ايران من عواقب الاستمرار في دعم المالكي والوقوف في وجه الحراك الشعبي الذي يصر على المحاكمة الجنائية والسياسية للمسؤولين عن الفساد وسقوط الموصل أيا كانت اسماؤهم ومناصبهم.

وكان «ائتلاف دولة القانون»، الذي يتزعمه المالكي سارع الى دعمه معلنا «رفضه المطلق» لنتائج التحقيق بسقوط الموصل، ومعتبرا أن ورود اسم زعيمه مع المتورطين بسقوط المدينة «تم بضغط خارجي».

الا انه من المهم تذكر ان هذا الائتلاف نفسه ظل متمسكا ببقاء المالكي في رئاسة الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة، حتى وصلت «كلمة السر» من المرجعية بالتخلي عنه ودعم العبادي لرئاسة الوزراء، فانقلب موقفه فورا، ولولا ذلك لربما استمرت الأزمة السياسية في العراق لشهور او سنوات.

والسؤال الآن هو ان كانت ايران ستقبل ان ترى «رجلها في العراق» وهو يحاكم كسياسي فاسد وفاشل، وهي التي كانت اتت به الى السلطة، واستقبلته مثل الابطال المنتصرين، بعد ان وقع على قرار اعدام الرئيس الراحل صدام حسين، ثم جعل من العراق «حديقتها الخلفية» طوال سنوات حكمه؟

ستكون لحظة قاسية دون شك عندما يتعين على طهران أن تأخذ قرارا بشأن مصير المالكي، خاصة وهي تزعم انها لا تتدخل في الشأن العراقي(..)، وتكتفي بالدعم السياسي.

ولن يكون القرار اقل قسوة بالنسبة الى العبادي، عندما يبدأ عمليا مواجهة امبراطورية الفساد والطائفية المتنفذة عبر تنفيذ تعهداته بالغاء المحاصصة الطائفية، وفتح ملفات الفساد السابقة والحالية، تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تعمل بمبدأ «من أين لك هذا»، فيما تتواصل ضغوط المظاهرات عليه لتحقيق نتائج حقيقية ملموسة.

اما السيناريو «الواقعي» الذي لمح اليه العبادي، والذي يأمل معه تفادي اغضاب ايران، فيتلخص في اقناع المتظاهرين بأن العملية السياسية في العراق عصية على التغيير التام، وان عليهم قبول اصلاحات جزئية وتدريجية، وبكلمات اخرى فان الحصول على الاصلاحات غير ممكن مع الحفاظ على العملية السياسية غير القابلة للاصلاح بسبب «عيوبها الهيكلية»، وان عليهم الاختيار بين عملية سياسية اقل فسادا او الفوضى السياسية.

على اي حال فان العراق يمر بمفترق طرق تاريخي، وسيبقى الشارع العراقي الثائر المدعوم من المرجعية الطرف الاقوى والحاسم في المعادلة، اذا لم تنجح امبراطورية الفساد والطائفية في الالتفاف عليه.

فهل حان الوقت لتتخذ ايران القرار الصحيح؟ وهل حان للعبادي ان يفي بتعهداته ليحصل العراقيون على فرصة حقيقية لبداية جديدة بعيدا عن سرطان الطائفية والفساد والارهاب وانصاف الزعماء وانصاف الحلول؟

المصدر : القدس العربي 

زر الذهاب إلى الأعلى