ماذا أقول لكم؟ أتساءل الآن، حائراً، على طريقة غسان كنفاني، في بعض قصصه، وقد تناهت إلى عينيَ اللتين سيأكلهما الدود، يوماً، مثلما أكل عينيه، ولا يزال، أنباءٌ موثقة تقول إن وزارة التربية والتعليم التي تديرها حركة حماس في قطاع غزة، قد لحس التعصب الفئوي البغيض عقول القائمين عليها، وأعمى بصرهم، وبصيرتهم، فقرروا إقصاء اسم الأديب الشهيد الذي كتب بدمه لفلسطين، قبل أن يكتب لها كاتب فلسطيني أو عربي سواه، عن مدرسة ابتدائية في رفح، ليستبدلوه باسم “مرمرة”.
هم ظنوا، ربما، وأعني المسؤولين الذين يحتاجون إلى التربية والتعليم، أكثر مما يحتاج إليهما أطفال المدارس الابتدائية في رفح، أن إجراء كهذا سوف لن ينتبه إليه أحد، وسط حال القهر والظلم المخيمة على الفلسطينيين هناك، وسيحقق، في الوقت نفسه، غرض النفاق لتركيا، أو الامتنان، إن شئتم، على سعيها المشهود من أجل كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، بدءاً بإرسال سفينتها الشهيرة، مرمرة، إلى شاطئ فلسطين الجنوبي قبل نحو خمس سنوات.
أثار خبر التنكر لأحد أهم المبدعين الفلسطينيين وأصدقهم، على مر التاريخ، من الضجة، في مواقع الإنترنت، وصفحات الإعلام الاجتماعي، ما لم يتوقعه المنافقون لتركيا، واضطرت وزارة التربية والتعليم، إزاءه، إلى إصدار نفي هزيل، مرتبك، ولا ينفي الذي حدث تماماً، بل يحاول ترقيعه، بزعم أن اسم مرمرة اختير لإطلاقه على جزء من مدرسة الشهيد غسان كنفاني، بعد فصله عنها، وهو ما بدا بعيداً عن إمكانية إقناع أكثر الناس سذاجة، قدر ابتعاد أصحابه عن إمكانية استيعاب أولويات الوطن المحاصر بالموت.
كان من المفترض في الذين حاولوا تدارك الخطأ الفضيحة، أن يعترفوا به، أولاً، وأن يتعهدوا، ثانياً، بالتحقيق في سبب امتلاك أشخاص جهلة، أو متعصبين، ناصية القرار في مؤسسات مهمة، كوزارة التعليم، وأن يقولوا، على الملأ، ثالثاً ما يعبر، صراحة، عن اعتذارهم، واحترامهم، للأديب الفلسطيني الذي استهدفته المخابرات الإسرائيلية عام 1972 بأول سيارة مفخخة بالمتفجرات في تاريخ هذه المنطقة، عقاباً له على إنتاج قصص وروايات ومسرحيات ومقالات، شكلت، منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، ولا تزال، حافزاً لزرع بذور المقاومة، بكل أشكالها، في نفوس أجيال من الفلسطينيين والعرب.
يصعب، طبعاً، على مقترفي خطأ شائن كهذا، فهم أن قيمة غسان كنفاني، الوطنية والنضالية والأدبية، لن تزيد، قيد أنملة، بوضع اسمه على باب مدرسة، وهو الذي تملأ كتبه المترجمة إلى أكثر من عشرين لغة رفوف المكتبات في مختلف أنحاء العالم، كما لن ينقص تراثه مقدار خردلة، حين يحاول الحمقى تغييبه، بفعلة جهولة، متطرفة، وتقول، لكل من يعرف القراءة، إن فاعليها أنفسهم، ما كانوا ليفعلوها، لو أن واحداً منهم، غادر الظلام الذي يرتع فيه، ساعات قليلة، وقرأ “رجال في الشمس” أو “عائد إلى حيفا” أو “أم سعد” أو “أرض البرتقال الحزين”.
مشكلة هؤلاء، ومشكلتنا معهم، أنهم لا يرون من الآخرين سوى لحاهم، أو بشكل أدق علاقتهم بالإسلام السياسي، فيحبون كل الذين يشاركونهم الانتماء الحزبي الضيق، ويبغضون، كل من يختلف عنهم، حتى لو اتفق معهم وطنياً، على مقاومة الاحتلال، ودافع عنهم، وعن حقوقهم، في مواجهة قوى الظلم.
ولعل ذلك، بات يستدعي من الأصدقاء في قيادة حماس، وفي مقدمتهم خالد مشعل، جواباً على سؤال طالما تردد بين أنصار المقاومة من غير الإسلاميين: ألم يحن الوقت لتستفيد حركتكم من تجارب الجوار القريب والبعيد، بدءاً بمصر، وانتهاء بتركيا، فتقتنع، وتقنع قواعدها، بأن وقوف غالبية الفلسطينيين وراء مقاومتها الاحتلال لا يخولها محو تاريخهم الوطني السابق لنشوئها، ولا إكراه أي منهم شخصياً، على ما لا يريد، إنْ بالمعنى الاجتماعي أو حتى الديني؟
المصدر : العربي الجديد