بتاريخ 25/8/2015 صدر موقفان متناقضان عن القيادات الأمريكية في االحديث عن الاتفاق الأمركي التركي الذي يتولى إدارة الصراع مع تنظيم الدولة داعش، من الغريب أن يصدر التصريحان في نفس اليوم وبينهما أقل من إثني عشر ساعة، ويعبران عن موقفين متناقضين من الاتفاق مع تركيا بشأن طريقة مواجهة داعش، صدر التصريح الأول عن الناطق الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض “جوش إيرنيست”، حيث قال في صباح اليوم وفي الساعة (09:25):” أنّ المفاوضات لا زالت مستمرة بين السلطات التركية والولايات المتحدة الأمريكية بخصوص كيفية المشاركة التركية في الحرب ضدّ تنظيم الدّولة (داعش)، وأنه لم يتمّ التوصل إلى اتفاق نهائي بهذا الشأن”.
جاءت تصريحات إيرنيست هذه ردًا على سؤال حول تصريحات وزير الخارجية التركي التي أدلى بها لوكالة رويترز الإنكليزية، والتي أكّد فيها الأخير بأنّ الجانبان التركي والأمريكي أنهيا المحادثات بشأن المواجهة على التنظيم وأنّ الحملة العسكرية الموسعة ستبدأ قريباً، حيث كان تصريح وزير الخارجية التركي يوم امس الاثنين (24/8/2015) في الساعة 15:36. وفي هذا السياق أوضح إيرنيست:” أنّ تصريحاته لا تتناقض مع تصريحات الوزير التركي وأنّ المحادثات الجارية وصلت إلى مراحلها النهائية، حيث يناقش الجانبان المسائل التقنية حيال كيفية تنفيذ الغارات ضدّ مواقع التنظيم”، كما أوضح إيرنيست أنّ الولايات المتحدة الأمريكية سوف تتابع مسألة أمن وحماية الحدود التركية مع سوريا وأنّ الجانبان التركي والأمريكي عازمان على التعاون في هذا الخصوص.
التصريح الأمريكي الآخر أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ويفيد بتأكيد ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي أمس، ويعلن فيه البنتاغون:” عن التوصل إلى اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن الصراع مع تنظيم الدّولة (داعش) في سوريا”، وجاء التصريح الأمريكي الأخير يوم 25/8/2015 في الساعة (21:15).
وبذلك فإن تصريح البنتاغون يؤكد تصريح وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو الذي أعلنه وأكد فيه ما اعلنه امس:” ان المحادثات الدائرة بين القيادة التركية والإدارة الأمريكية فيما يخصّ شنّ حملة عسكرية مشتركة ضدّ مواقع داعش في سوريا وإبعاد عناصر التنظيم من المناطق الشمالية لسوريا قد تم الاتفاق عليها”.
والتصريح الأمريكي الأخير للبنتاغون يؤكد غياب البيت الأبيض عن تفاصيل الاتفاقيات التي يجريها البنتاغون مع الأتراك، على الأقل لأكثر من أربعة وعشرين ساعة، علماً بان المفاوضات بشأن العملية العسكرية المشتركة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، بدأت قبل عدّة أشهر في العاصمة التركية أنقرة، وذلك بين الوفد الأمريكي الذي ترأسه ممثل الرئيس الأمريكي لشؤون الحرب على داعش “جون إيلين” والوفد التركي برئاسة مستشار الخارجية التركية “فريدون سينيرلي أوغلو”.
وكان من المفترض على المتحدث باسم البيت الأبيض ان لا ينفي تصريح وزير الخارجية التركية حتى يتأكد من معلوماته من وزارة الدفاع الأمريكية في النتاغون، ولذلك أضطر وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” إلى تأكيد إعلانه امس بعد انكار البيت الأبيض التوصل إلى اتفاق، فجاء في تأكيده:” أنه تم التوقيع بشكل رسمي على اتفاقية الحملة العسكرية المشتركة ضد تنظيم الدولة “داعش” بين السلطات العسكرية التركية والأمريكية”، وقد جاء هذا التصريح التركي الساعة (12:28).
فالتصريح الأخير لجاويش أوغلو هو إشارة إلى نفي المسؤوليين الأمريكيين لتصريحاته أمس المتعلقة بانتهاء المفاوضات: قائلاً: “كنت قد صرّحت أمس بأن المفاوضات بشأن تفاصيل العملية قد انتهت. كانت هذه معلومة صحيحة. وتم عقب التصريحات، التوقيع على نصّها بين المسؤولين الأتراك والأمريكيين. أنا قلت أمس أن المفاوضات انتهت ولم أقل أن التوقيع تم عليها. من المحتمل أن المتحدثون الأمريكان أكدوا على التوقيعات، أو أنهم قاموا بتلك التصريحات بسبب اختلاف المواعيد”، وهذه معالجة دبلوماسية من السيد أغلو لأن المتحدث باسم البيت الأبيض نفى معلومات عن التوصل إلى اتفاق وأن المفاوضات لا تزال مستمرة، بينما الاتفاق كان قد تم وإن تأخر توقيعه او تنفيذه، والفكرة التي يكشفها التناقض ان البنتاغون هو من يقود المفاوضات مع الدولة التركية بشأن طريقة مواجهة داعش وليس البيت الأبيض، وما يترتب على ذلك ان لا تؤخذ تصريحات أوباما بخصوص الحلول السياسية في سوريا او المنطقة على محمل الجد، لأنها تصريحات سياسية لا وزن لها في الاستراتيجية الأمريكية التي يمثلها البنتاغون الأمريكي.
والمهم أيضاً في تصريح وزير الخارجية التركي الذي أدلى به أمس الاثنين ( 24/8/2015 الساعة 15:36 ) خلال تصريحات أدلى بها الوزير جاويش أوغلو لوكالة رويترز الإنكليزية:” أنّ العمليات العسكرية الجوية المشتركة بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية ضدّ مواقع تنظيم الدّولة (داعش) في سوريا ستبدأ قريبًا، وأنّ الهدف من العمليات العسكرية هذه هو إبعاد عناصر تنظيم داعش عن مناطق شمال سوريا المتاخمة للحدود التركية”.
فالأهداف التركية قد لا توافق الأهداف الأمريكية، ولذلك قد لا يتفقان في الإجراءات والخطوات وإن جرى بينهما تنسيق واتفاق، فالهدف التركي من هذه العمليات هو :” إبعاد عناصر تنظيم داعش عن مناطق شمال سوريا المتاخمة للحدود التركية”، وهذا الهدف قد يتطلب اعمالاً عسكرية وقد لا يتطلب ذلك، إذا ابتعدت عناصر تتنيظم داعش لوحدها من هذه الحدود، وبموقف أفضل إذا اختارت داعش الابتعاد عن التورط في حرب مع تركيا، ولا الإعتداء عليها، وهذا امر ينطبق على باقي الميليشيات المسلحة التي قد تتواجد على الحدود التركية السورية، سواء كانت من داعش أو من المليشيات التابعة لحزب العمال الكردستاني أو غيره من الأحزاب الكردية التي تناصب تركيا العداء، او من تمثل أدوات بيد حزب العمال الكردستاني، وهذا ينطبق أيضاً على الميليشيات التي توصف بانها تابعة لميليشيات الأسد او توابعه الطائفية العربية والأجنبية، فكل هذه المليشيات هي عرضة للنيران التركية إذا حاولت الاعتداء على الأراضي التركية أو قامت بما يؤدي إلى تهديد الأمن القومي التركي.
والمعلومة الأخرى التي أفادها وزير الخارجية التركي أغلو عن هذا الاتفاق التركي الأمريكي هو ان المحادثات التي جرت بين واشنطن وانقرة بشأن الخطة العسكرية، من المحتمل أن يشارك فيها عدد من الحلفاء الإقليميين والدّوليين في الحملة، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والأردن، إضافة إلى فرنسا وبريطانيا، فالخطة ليست تركية امريكية فقط، وإنما هي تاتي في سياق الأعمال العسكرية المشتركة لقوات التحالف الدولي، ولكن المشاركة التركية قد تأخرت سنة كاملة حتى وافقت أمريكا على الشروط التركية السابقة، وإن جرى عليها بعض التعديل.
والنقطة الأخيرة التي لا تزال قيد الدراسة والبحث بين تركيا وأمريكا، وقد تكون موضع خلاف بينهما أيضاً، وهي من يتولى حماية المنطقة الآمنة في سوريا، فامريكا فشلت حتى الان في صناعة فصائل سورية مقاتلة تقوم هي بتكوينها وتدريبها وتجهيزيها للقيام بواجبات معينة تريدها أمريكا، وقد فشلت أمريكا في ذلك لعدم وجود فصيل سوري يرضى ان يكون مجرد اداة بيد البنتاغون او السياسة الأمريكية، فهو أمر محرج جداً لعناصر هذا الفصل وقادته، وسوف يكون هذا الفصيل عرضة للهجوم من الجميع، ولن تستطيع امريكا ولا قواتها العسكرية تأمين حمايته إطلاقاً، لذلك كان لا بد ان تكون هذه القوات التي تسعى أمريكا لإعدادها وتدريبها لحماية المنطقة الآمنة أن تكون تحت رعاية مشتركة أمريكية وتركية وعربية، كما ان القوات المقابلة لها تحت رعاية إيرانية وروسية وعربية أو تابعة لأحزاب كردية إرهابية.
لذلك فإن القوات السورية هي التي سوف تحمي المنطقة الآمنة على الأرض، وستكون من الفصائل السورية التي تضمنها تركيا وقطر ، على ان هدفها هو نجاح الثورة السورية ونجاة الشعب السوري، وإقامة دولته الحرة والمستقلة والمحررة من الاحتلال الإيراني، وليس خدمة الأهداف الأمريكية ولا التركية ولا القطرية ولا غيرها، فالقضية الأولى التي تتبناها الفصائل السورية هي حرية الشعب السوري، وإنهاء وجود الميليشيات الطائفية وتحرير سوريا من الاحتلال الإيراني وتوابعه بما فيها ميليشيات الأسد الطائفية، فإمريكا إذا رفضت التعاون مع تركيا على وجهة نظرها بأن محاربة الإرهاب في سوريا تبدأ بتحرير الشعب السوري من النظام الأسدي الفاسد، فإنها لا تستطيع أي امريكا منع فصائل الثورة السورية أن تواصل العمل لتحقيق هذا الهدف.
المصدر : وطن اف ام