ملأت اليوم مواقع التواصل الإجتماعي صورة الطفل السوري الذي القته الأمواج على شواطئ (بوردو) التركية بعد أن فارق الحياة، في رحلة البحث عن حياة؛ لكن الموت الذي كتب على السوريين بطرق وأشكال لم تكن لتخطر على بال أشد المتشائمين منهم، كان مصيراُ لهذا الطفل الذي لم يبلغ من شهورعمره العام غرقاُ، كما حصد الموت أيضاُ الكثير من أرواح السوريين بطرق وأشكال أخرى، طيلة السنوات الأربع من عمر ثورتهم .
لم تكن صورة هذا الطفل هي الأولى ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، فهذا العالم بعربه وعجمه، وجنه وإنسه، وبحره وبره، وناره ومائه، كلهم اتفقوا على تحديد الفناء كمصير للسوريين بحجة التضحية لنيل حريتهم، من نظامٍ يلهث أعدائه قبل أصدقائه لتدعيمه عندما يترنح منذراَ بسقوطه منذ ثلاثة أعوام وحتى اليوم، لأسباب لا يعلمها إلا الله وربما إسرائيل المستفيد الأوحد من بقاء الأسد .
“الشمس لا تخبأ بغربال”، وكلنا نعلم أن “رأس مال” إنهاء منبع الشر في سوريا وهو الأسد، صاروخ من مقاتلة للتحالف مع ثمن الكيروسين الذي ستصرفه تلك المقاتلة في طلعتها فوق قصر المهاجرين، وهم يعلمون أيضاُ – أي المجتمع الدولي – أن السوريين مستعدين لدفع تكاليف تلك الطلعة بكوروسينها وصاروخها وحتى أجرة طيارها، ورغم ذلك يبقى الأسد خطاُ أحمر بالنسبة إليهم، مقابل آلاف الخطوط الحمراء التي وضعوها في خطاباتهم أمام حياة السوريين، سرعان ما مُسحت أو تلاشت بعد انتهاء تلك الخطابات مباشرة .
“الأسد أو نحرق البلد شعار” أطلقها موالو النظام بعد اندلاع الثورة، وهم جادين في تطبيقه فالمجازر والدمار والقتل الطائفي كلها تؤكد ذلك، و كان العالم أو ما يختصر اصطلاحاُ بالمجتمع الدولي يساعدهم على تطبيقه، من خلال سكوته على المجزرة المستمرة بحق السوريين منذ خمسة أعوام، ولربما لم يكتفي العالم بترك البلد لتحرق على أيدي نظام الأسد ومواليه، بل أضاف بدون الإفصاح عن شعارت أخرى كان بحر المتوسط شاهداً عليها، وفي عرضه وعلى شواطئه لا يمكن للمشهد إلا أن يوصف بهذه العبارة : (الأسد أو نُغرق البلد)، وتحت هذا الشعار يَغرق المئات من السوريين في عرض البحر، في رحلة الفرار من الموت إلى موت آخر .
صورة الطفل، التي أدمت قلوب السوريين والسورريين فقط، لن تحرك في نفوس غيرهم مشاعر الألم عليه، كما لم تؤلمهم كل المشاهد التي ضجت بها وسائل الإعلام لسنوات مضت، فالطفل دم ليس من دمهم، ولحم ليس من لحمهم، وروح ليست من روحهم، وكل اللذين قتلهم نظام بشار الاسد الطائفي لا ينتمون لهذا العالم البغيض بحسب معاملته لهم منذ خمسنة سنوات ولا يزال .
أكثر من 500 ألف شهيد ومثلهم مفقودين – في عداد الشهداء – ونصف ذلك العدد معتقلين، وثمانية ملايين منهم مشردين في عراء هذه الأرض، ولا يزال العالم يتعامل مع السوريين كأرقام، يكفيه أن يقلب العداد مع موت كل واحدٍ منهم، ولا أعتقد أن هذا العالم الرخيص،سيتغير في القادم من الأيام، روح هذا الطفل وغيرها الآلاف من أرواح الأطفال والنساء والشيوخ والرجال الذي قضوا على أيدي الأسد وغيره، أمام مرأى العالم ومسمعه، ذهبت بأخلاقه وإنسانيته كرامته، فأضحى هذا العالم عاهر .
الكاتب : عماد كركص
خاص لـ وطن إف إم
الشعب العربي بلا نخوه ولا ضمير واليهود ارحم