بإقحام نفسها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، تنضم روسيا، إلى أكثر من 20 دولة تزعم جميعها أنها تعمل من أجل هزيمة التنظيم المتطرف الذي لا يزال تماسكه يطرح تساؤلات عديدة، قد لا تتعلق بقوته، بقدر ما تتعلق بمدى جدية القوى التي تحاربه.
يقول الجيش الروسي بأن طائراته الحربية تواصل قصف تنظيم الدولة الإسلامية بعشرات الغارات الجوية مستهدفة مراكزه ومستودعات أسلحته. كما يفخر، وهو المصنف كثاني أقوى جيش في العالم، باستخدامه لصواريخ “كروز” شديدة التدمير في حربه على الإرهاب وقد أطلقها من سفنه الحربية في بحر قزوين. الإعلام الروسي احتفى بتلك الصواريخ وبـ”الحرب لمقدسة” على تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصبح “على وشك الانهيار”. وبحسب ذلك الإعلام الذي يجد متسعا لإدعاء متهافت من قبيل أن قادة التنظيم المتطرف لم يخبروا عناصرهم بالتدخل الروسي “خشية الفرار الجماعي”.
تبدو تلك المحاولات لإضفاء طابع عظيم ومخيف على قوة روسيا مضحكة بالفعل، لكنه واقع الإعلام الدعائي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي ينقل “الحقيقة” بصورة مشابهة لإعلام بشار الأسد. لكن الحقيقة في مكان آخر تماما، إذ تشير كل المعلومات إلى أن تنظيم داعش لم يضعف حتى يكون قد أوشك على الانهيار. الحقيقة أن أعداد المقاتلين الأجانب ازدادت وهي تقدر في هذا العام بنحو 30 ألفا، في حين كانت تقتصر على 15 ألف مقاتل العام الماضي أي أنها ارتفعت بنسبة 100 بالمئة في غضون عام واحد.
وإذا كانت أعداد المقاتلين الأجانب القادمين من أجل “الجهاد” قد ارتفعت قبل أن ترسل روسيا بقواتها إلى سوريا، فمن المرجح أن تواصل ارتفاعها في الأشهر القادمة وبوتيرة أسرع مع دخول العدو القديم واللدود للجهاديين في العالم إلى ساحة المعركة. وباعتبار أن روسيا تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المقاتلين الأجانب غير العرب الذين يقاتلون في سوريا بحسب لجنة الأمن الوطني في الكونغرس الأميركي، فإن تدخل روسيا العسكري في سوريا جعل الأرضية تكون خصبة أكثر لتدفق المزيد من الجهاديين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. هكذا، يمكن الاستنتاج بأن تنظيم “داعش” ربما يزداد قوة في الأيام القادمة. تلك هي الحقيقة اليوم، أما “الحرب العالمية” المعلنة ضد التنظيم فهي محل شك كبير.
تقول الحقائق إن الطائرات الروسية استهدفت تنظيم الدولة في أقل من عشرة بالمئة فقط من ضرباتها الجوية، فيما وجهت معظم الضربات ضد قوات المعارضة السورية التي تقاتل الأسد. تقول الحقيقة، أيضا، إن عشرات صواريخ الكروز التي أطلقتها من سفنها الحربية قد عبرت ثلاثة بلدان وبحرا لكي تصل إلى سوريا وتصيب معاقل المعارضة بدلا من معاقل داعش. جميعها مؤشرات واضحة على أن روسيا تدخل الحرب لإسناد نظام الأسد وليس لمحاربة الدولة الإسلامية. تعلم روسيا، جيدا، أنها لو دعمت غيابا مبكرا للأسد عن المشهد السياسي عبر تسوية ما، قبل أعوام عديدة، لما وجدت داعش في سوريا. بهذا المعنى، فقد ساهمت موسكو في نشوء داعش، وهي تساهم، اليوم، بتغذيتها بدل محاربتها وذلك بدعم “الأسد إلى الأبد”.
بالمقابل، يمكن أيضا التشكيك في جدية الولايات المتحدة الأميركية في الحرب على داعش، وذلك بعد أن قادت تحالفا دوليا لهزيمة التنظيم ونفذت أكثر من 2600 غارة جوية في سوريا و4600 غارة في العراق، ولكنها لم تحقق أي نتائج ملموسة. لقد بات من الواضح تماما أن عدم وجود قوة برية في سوريا مكرسة لهزيمة داعش يجعل هذا الهدف مستحيلا، ومع ذلك تواصل الإدارة الأميركية المضي قدما في سياساتها التي اختبرت فشلها على مدار عام كامل.
لم تبذل واشنطن جهدا يذكر في إتاحة الفرصة للمعارضة السورية لقتال داعش وذلك بالتوصل إلى تسوية سياسية، ولو كانت جزئية، تؤدي إلى تحرر عشرات الآلاف من المقاتلين من مراكزهم القتالية ضد قوات النظام من أجل مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية. بل فضلت قصر الحرب على داعش فقط من دون الأسد، بل حتى دون حمل الأخير على إيقاف قصف المدنيين والمعارضة التي تقاتل التنظيم المتطرف، وهو ما يثير التساؤل: لماذا تتمسك أميركا بسياسات لا تدع مجالا لا لهزيمة التنظيم المتطرف فحسب بل حتى لإضعافه؟
كان يمكن اعتبار ذلك بمثابة “خطأ” في بداية الحملة العسكرية، ولكن إصرارها على خوض معركة محكومة بالفشل يسلط الضوء على مدى جديتها في هذا الصدد. ويبدو غياب الجدية واضحا في حادثة تدريب المقاتلين السوريين، حيث اشترطت الولايات المتحدة عليهم عدم قتال الأسد فانتهى بها الأمر، بعد عام من التدريب، بمجموعة من خمسة مقاتلين. العبرة واضحة، لكن فقط لمن يريد أن يعتبر.
المصدر : العرب