مقالات

محمد زاهد جول – هل من صراع بين تركيا وروسيا

لا شك بأن التدخل الروسي في سوريا سوف يعقد الأزمة السورية اولاً، وسوف يزيد من التوتر الإقليمي والدولي في المنطقة، فالغزو الروسي لسوريا ليس حدثا بين دولتين، وإن تم ترسيمه من خلال طلب رسمي من حكومة الأسد الفاقدة للشرعية والفاقدة للسيطرة على الأراضي السورية باستثناء 17%، وهي تحت حماية قوات الحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني وليس ميليشيات الأسد وحدها، لذا فإن الموقف التركي ملزم ان يتابع مجريات الغزو الروسي بكل جدية وحذر.

 

فالغزو الروسي لسوريا له تأثيره الإقليمي والدولي، وأخطر ما فيه على تركيا ان يتحول إلى صراع بين تركيا وروسيا أيضاً، حيث يوجد عوامل عديدة تغذي الصراع التركي الروسي من خارج تركيا وروسيا، فلو ترك الأمر للسياسة التركية أو الروسية فما صدر عنهما بعد التدخل الروسي في سوريا يدل على رغبة بالتعاون لإيجاد وسائل عدم تفاقم الصراع بينهما، وان تؤخذ عمليات انتهاك الطائرات الروسية للحدود التركية على أنها أخطاء فقط، ما لم يثبت عكس ذلك بالدليل القطعي، بينما تركيا تحذر من نفاد صبرها اتجاه هذه الأخطاء كما جاء في تصريحات للرئيس التركي أردوغان يوم 7/10/2015، أي بعد أسبوع واحد من بدأ الغزو الروسي لسوريا.

المشكلة التي جاءت روسيا تعالجها بحسب ادعائها وهي مقاتلة داعش لا يقبلها أحد، لأن روسيا من أكثر الدول معرفة أن حليفتها إيران وحكومة المالكي العراقية وبشار الأسد هم من أنشؤا دولة داعش، بطريقة مباشرة أكثر منها غير مباشرة، بهدف تغيير وجهة المعركة الطائفية التي افتضح امرها، بعد فشلها في تحقيق اهدافها لأكثر من عشر سنوات في العراق، ولأكثر من ثلاث سنوات في سوريا، فكان هدف إيران والمالكي وبشار الأسد خلق تنظيم سني طائفي يقتل غير المسلمين بكل وحشية ويدمر الحضارة وكل مظاهر التمدن، حتى يتم تشويه صورة الثورة السورية وتشويه صورة المعارضة العراقية، فانقلب السحر على الساحر وأصبح هذا التنظيم عدوا لهم كما هو عدو للمسلمين وغير المسلمين.

فروسيا إذا كانت صادقة لمحاربة داعش فعليها محاسبة من انشأ داعش وهم حلفاؤها من الإيرانيين واتباعهم الطائفيين في العراق وسوريا، ولكن الأخطر على الروس أيضاً أن يكون هذا المحور الإيراني العراقي السوري هو من غرر بالروس للقدوم بجحافلهم العسكرية إلى سوريا، فبعض المصادر الإعلامية تقول بان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني هو من أقنع الروس بالتدخل العسكري في سوريا في زيارته السرية إلى موسكو في شهر يوليو/ تموز الماضي، فقد التقى الرئيس الروسي بوتين ووزير دفاعه والقادة العسكريين الروس، وشرح لهم الضعف الذي يعاني منه بشار الأسد، والصعوبات التي يواجهها الحرس الثوري الإيراني وميليشيات “حزب الله” اللبناني في سوريا وعجزهم عن المواصلة، وأن الأمر يحتاج إلى تدخل روسي مستعجل للقضاء على الثورة السورية وإلا خسر الروس والإيرانيون معركتهم في سوريا.

هذه التطورات التي دفعت بروسيا إلى سوريا وحتى على فرض صحة الدعوة الإيرانية لروسيا لتوريطها في سوريا وإن كانت احتمالية فقط، إلا ان آثار هذا الغزو الروسي على تركيا لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار وبكل جدية، لأن من مصلحة إيران وبشار الأسد والحكومة العراقية أن تتورط الحكومة التركية في صراع سياسي أو عسكري مع الروس، وهذا يستدعي من الحكومة التركية أن تكون حذرة من كل الأسباب التي قد تؤدي إلى زيادة الصراع مع الروس، بما فيها انتهاك الطائرات الروسية التي قد تأخذ إحداثياتها من الجيش السوري، بل قد تأخذ ليس بالخطأ بل بالعمد إحداثيات اهداف عسكرية من المخابرات السورية أو العراقية أو الإيرانية الذين يشاركونها في غرفة عمليات في بغداد وأخرى في دمشق، اهدافاً على الحدود التركية أو قريبة منها داخل الحدود التركية، بل لا يمكن استبعاد أن يكون التدخل الروسي في سوريا هو بخطة إيرانية امريكية من ملحقات الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي، بهدف تخفيف أعباء هذا الصراع في سوريا على إيران أولاً، وإرهاق روسيا ثانياً، حيث لم تستطيع أمريكا استنزاف روسيا بالصراع الأوكراني ولا في جزيرة القرم.

الاحتمال الأخير تعززه تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي يشجع الدولة التركية على مهاجمة وإسقاط كل طائرة روسية تنتهك الحدود التركية، فقال وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” أنه كان بإمكان تركيا إسقاط الطائرة الروسية التي اخترقت مجالها الجوي يوم السبت الماضي، وأنّ القيادة التركية كانت محقّة لو قامت بهذه العملية”، هذه التصريحات الأمريكية جاءت أثناء زيارته الرسمية إلى تشيلي، أي أن وزير الخارجية الأمريكي لم يتجاهل الحادثة، ولم يعتبرها خطئاً كما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سرجي لابروف في اتصاله مع وزير الخارجية التركي ” فريدون سينيرلي أوغلو”، ووعده إياه بعدم تكرارها، لذا ينبغي الانتباه إلى ان امريكا سوف تنفخ في بوق الصراع التركي الروسي بكل حادثة مشابهة، والهدف معروف فأمريكا تكرر مقولات قلقها من التطورات الحاصلة على الحدود الشمالية السورية والضربات الجوية الروسية التي تستهدف مناطق عديد داخل الأراضي السورية، ولكنها لا تفعل إزاءها شيئاً.

وأضاف كيري خلال تصريحاته بأنه التقى هاتفيا مع نظيره التركي “فريدون سينيرلي أوغلو” عقب عملية الانتهاك الروسي للمجال الجوي التركي، كما تناقش مع وزير الدفاع الأمريكي “اشتون كارتر” ومستشارة الأمن القومي “سوزان رايس”، حيث أوضح بأنّ الجميع أبدوا قلقهم من تطورات الأحداث في المناطق السورية المحاذية لتركيا، هذا القلق الأمريكي لا ينبغي الاطمئنان إليه، لأنه قد يفتح شهية امريكا ان تتورط تركيا في أعمال عسكرية عدائية مع روسيا، ليس بالضرورة أن تتوسع لصراع مع حلف الناتو ، بل يكفي ان يكون من أهدافها زيادة التوتر في المنطقة على حساب الامن والاستقرار التركي، وبالأخص زيادة الاضطرابات الداخلية التي تواجهها الحكومة والرئاسة التركية من جراء العمليات الارهابية، التي يقودها حزب العمال الكردستاني الارهابي وتنظيم الكيان الموازي الارهابي، وكلاهما على ارتباط مع الغرب.

إن التصريحات التي تصدر عن موسكو تؤكد أن الحكومة الروسية تتجوس خيفة من تطورات الأحداث مع تركيا بصورة سلبية، فقد أعرب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية الروسية “ديميتري بسكوف” عن ” أمله في ألا تتأثر العلاقات التركية الروسية بحادثة انتهاك الطائرة الروسية للمجال الجوي التركي، مشيراً إلى أنّ العلاقات التركية الروسية قوية وتستند إلى تاريخ طويل، كذلك صرح المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية “إغور كوناشينكوف”: أن عملية الانتهاك حدثت نتيجة لسوء الأحوال الجوية وأنّ الحادثة لم تكن متعمّدة من قِبل الطائرة الروسية”، وهذا يؤكد أن الروس غير راغبين بتوتير العلاقات مع تركيا، وأن خطتهم محصورة في سوريا لحفظ مصالحهم الاستراتيجية الخاصة، ودون ان تكون متحالفة مع القيادة الإيرانية في كل خطواتها العسكرية أو السياسية، بل ينبغي على الحكومة التركية أن تسعى لاختراق هذا التفاهم الروسي الإيراني بهدف دفع السياسية الروسية أن تكون أكثر دبلوماسية وحكمة في التعاطي مع مشاكل المنطقة وازماتها، فلم يعد الحل العسكري هو الطريق الوحيد لحل هذه المشاكل بعد فقدان ايران وحلفائها الطائفيين قدرتهم على تواجدهم في سوريا إلا باثمان باهظة لم يعودوا قادرين على دفعها، وروسيا امامها طريقة اخرى لمعالجة الوضع في سوريا وكسب مصالحها فيها بالطرق السياسية والسلمية، إذا تعاونت روسيا مع الحكومة التركية العلمانية بدل تعاونها مع القيادة الايرانية المذهبية الطائفية.

إن الحكومة والرئاسة التركية مطالبة في هذه الآونة أن تأخذ كل الحذر من الإجراءات التي سوف يتخذها حلف الناتو اتجاه الغزو الروسي لسوريا، او اتجاه انتهاك الطائرات الروسية للأجواء التركية، فهذه الأخطاء قد تتكرر بفعل فاعل من حلف بغداد الروسي الجديد، سواء من الايرانيين أو العراقيين أو السوريين، وهذا ما قد يتكرر ويستغله حلف الناتو في إجراءات لا تخدم المصالح التركية إطلاقاً، بل من الصواب مواصلة تركيا سياستها السابقة التي اختصرها رئيس الوزراء التركي بعبارة واحد قبل أيام فقد قال:”إن القوات المسلحة التركية لديها تعليمات واضحة بالقيام باللازم مع أي انتهاك للحدود التركية، مشدداً أن حدود تركيا ومجالها الجوي تحت سيطرة القوات المسلحة التركية”، وقال:” إن موقف بلاده واضح، حيث تحذر ودياً أي دولة تنتهك حدودها أو مجالها الجوي، مشيراً أن روسيا دولة جارة وصديقة لتركيا، لذلك لم يحدث توتر بين الدولتين، فيما أكد أن المسألة السورية، ليست أزمة تركية – روسية”.

إن قاعدة ” المسألة السورية ليست أزمة تركية ـ روسية” هي قاعدة ذهبية في السياسة التركية لا ينبغي تجاوزها مهما كانت الاستفزازات، فالمتحدث باسم البيت الأبيض يصف حادث انتهاك الطائرة الروسية للاجواء التركية بالمستفز ، بينما دعم أمريكا لحزب الاتحاد الديمقراطي وميليشياته وحدات حماية الشعب الكردي التي تقتل الشعب السوري على الهوية وتقوم بعمليات تهجير عرقي للعرب والتركمان السنة من مدنهم وقراهم في شمال سوريا ليس عملاً مستفزا للشعب التركي، فما تقوم به امريكا من اعمال تسيء إلى الشعب التركي وامنه القومي بدعمها لحزب العمال الكردستاني أكثر استقزازاً لتركيا، بل هو سلوك عدواني لا يقل عن عدوان روسيا على الشعب السوري.

إن تركيا أمام مخاطر كبيرة قادمة من حدوها الجنوبية، ليس من التواجد الروسي فقط، وإنما من كل من يسعى لاستغلال هذا التواجد الروسي في سوريا لزيادة عدائه للأمن القومي التركي، وتركيا معنية للتفاهم مع الحكومة الروسية والتوصل إلى نقاط تفاهم معها، بان المسألة السورية:” ليست ازمة تركية ـ روسية”، وأن توصل رسالتها إلى الحكومة الروسية بان استغلال أي قوة او حزب او ميليشيا لتواجد روسيا في سوريا ضد الدولة التركية هو عمل عدواني ضد الدولة التركية وليس استفزازيا فقط، وهو ما ينبغي أن تأخذه السياسية الروسية بعين الاعتبار، فكما تحرص تركيا على حسن علاقاتها مع روسيا، فكذلك على الحكومة الروسية أن تكون حريصة على عدم استغلال تواجدها في سوريا في الإساءة إلى الحدود التركية، لا من الجيش الروسي ولا من أي جهة تناصب تركيا العداء، بل عليها أن تكون اكثر حرصا على عدم استغلال الغرب ولا حلف الناتو لتوتير العلاقات التركية الروسية ولا الصراع معها، فلا مصلحة لروسيا أن تتحالف مع أقلية مذهبية طائفية من المسلمين وتعادي كافة المسلمين في العالم، وبالأخص الدولة الإسلامية المجاورة لحدودها الغربية، ولها امتداد وتحالف مع الدول الأوروبية الغربية.

المصدر : خاص لـ وطن إف أم 

زر الذهاب إلى الأعلى