مقالات

محمد زاهد جول – مستقبل سوريا بعد مؤتمر فيينا2

انتهى مؤتمر فيينا الأول يوم الجمعة 30/10/2015، وقد ميز هذا المؤتمر عدة مسائل عن غيره من المؤتمرات السابقة التي اختصت ببحث الأزمة السورية، ومنها:

1 ـ أن المؤتمر جاء في الذكرى الشهرية الأولى للغزو الروسي لسوريا، التي بدأت بتاريخ 30/9/2015، بمعنى أنه جاء بعد أن جربت روسيا دور القوة العسكرية وسلاح الجو الروسي وصواريخها الباليستية التي أطلقت من البحر الأسود على بعد 1500كم على سوريا.

وفي الغالب أن روسيا تأكدت الآن أنها فقدت فرصة الضربة الأولى الصاعقة، التي كان ينبغي ان تكون مباغتة وقاصمة لفصائل الثورة السورية، وبالتالي فإن المعركة اليوم وبعد شهر ونصف ستأخذ مسار الربح والخسارة، وهي إلى الخسارة أقرب، لأن طول المدة الزمنية للتواجد العسكري الروسي في سوريا ليس في مصلحة الروس عسكريا ولا اقتصاديا، وأمامه فاتورة كبيرة من الأرواح البشرية أيضا.

2 ـ أن روسيا تحضر أول مؤتمر دولي وهي تستشعر أن بيدها قرار الحل السياسي والعسكري معاً، ولكنها لا تفهم طبيعة الشعب الذي تتعامل معه، وللأسف لم تستفد من تجربة أفغانستان، وتحيل النصر أو الهزيمة في تفكيرها للأسباب المادية فقط، من قوة الأسلحة ونوعيتها، وقنابلها العنقودية، ولا تعطي القوة المعنوية والإرادة الشعبية أية قيمة، ولذلك سوف تقاتل كثيرا في سوريا حتى تكتشف انها لم تعد تحتمل الخسارة أكثر، بينما كان يمكنها الاستفادة من تجربة الفشل الإيراني وحرسه الثوري وميليشياته المسلحة من حزب الله اللبناني وغيره، فروسيا لا تملك مقومات الحل العسكري حتى لو بقت في سوريا مائة عام، ولا تملك مقومات الحل السياسي لجهلها أو لرفضها فهم طبيعة المنطقة واهلها وسكانها وعقائدهم وعقولهم ونفسيتهم.

3 ـ أن أمريكا أصرت على إحضار إيران للمؤتمر الأخير في فيينا رغما عن رغبة روسيا، لأن أمريكا تسعى لإفشال مؤتمر فيينا في النهاية، وروسيا ترى بأن ايران قد تكون من أكثر المعارضين لحلولها السياسية، ومنها عدم التمسك ببشار الأسد في النهاية، بل إن كل التدخل العسكري الروسي بهذا القدر وبالرغم من أن إيران كانت راغبة فيه بقدر ما، ولكن ليساعدها عسكريا وليس ليأخذ منها دور القيادة العسكرية في المعارك، لأن اخذ روسيا للقيادة العسكرية أضعف دور ايران في سوريا وما يتبعه من هيمنة على الحلول العسكرية أو السياسية أولاً، وأثر مباشرة على زيادة عدد القتلى الإيرانيين بصورة ملحوظة ثانيا، بل إن إيران اخذت تتذمر من ازدياد عدد القتلى من الجنرالات والضباط الكبار من الحرس الثوري الإيراني في المعارك في سوريا، وذلك بعد ان أخذت القيادة الروسية تزج بهم في مقدمة المعارك، وكأنها تنتقم منهم.

4 ـ أن النقاط التسع التي جاءت في بيان فيينا والذي شاركت فيه إيران والصين قد أحدث نوعاً واضحا من الاختلاف بين روسيا وايران حول مستقبل الأسد، فالنقاط تنص على ان تبقى سوريا موحدة سياسياً، ودولة علمانية في نظامها السياسي، مع الموافقة على دخول الحل السياسي بفترة انتقالية محدودة، تتشكل خلالها حكومة وحدة وطنية من مؤسسات النظام وفصائل المعارضة المعتدلة، تعمل على وضع دستور جديد للبلاد، وعلى أساسه يتم الدعوة لانتخابات برلمانية ورئاسية، تحت إشراف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتشمل كافة السوريين داخل سوريا وخارجها، بما فيهم من هم في مخيمات اللجوء، وهذه الطريقة من الانتخابات فيما لو تمت لن تحقق نجاح الأسد حتى لو سمح له الترشح إليها، فهو اعتاد على أن تتولى المخابرات السورية اجراء الانتخابات وإصدار النتائج، ويعلن عنها موظف يوصف بأنه رئيس لجنة الانتخابات أمام التلفزيون السوري الرسمي.

5 ـ هذه الموافقة الإيرانية على مشروع مبادرة يطلق عليها بانها مبادرة روسية، جعل وزير الخارجية الإيرانية جواد ظريف يعلق على المؤتمر بوجود تحفظات ايرانية على بيان فيينا، وأن يخرج بعده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ليقول بان بشار الأسد إما ان يرحل بالحل السياسي وإلا فالحل سيكون عسكرياً، وهذه التصريحات على مستوى وزراء الخارجية وفي المستوى السياسي.

6 ـ وفي المستوى العسكري لا يتجاهل سادة السياسة الايرانية الموقف السعودي، وهم قادة مجلس الأمن القومي الإيراني وقادة الحرس الثوري، فقال اللواء جعفري في محاضرة له في جامعة طهران بعد المؤتمر بأربعة أيام:” ن الروس لا يشتركون في الموقف نفسه مع طهران في ملفين: مصير نظام الرئيس الاسد وحزب الله”، وهذا كشف عن الخلاف الايراني الروسي الذي لم يكن معهودا من قبل، وقال ان الاسد خط أحمر لإيران لا يمكن تجاوزه، ولذلك هددت ايران بعدم حضورها في المؤتمرات القادمة التي لا تأخذ وجهة نظرها بعين الاعتبار.

7 ـ الموقف الروسي آخذ بالتباعد عن الموقف الإيراني أكثر من خلال تفسير الموقف الروسي بعد مؤتمر فيينا، لأن المخاوف الإيرانية لم تبددها التصريحات الروسية اللاحقة بل زادتها، فالمتحدثة باسم الخارجية الروسية السيدة “ماريا زاخروفا” ردت على سؤال لراديو “صدى موسكو”، يقول: إن كان مبدئيا لروسيا الابقاء على الاسد في السلطة؟ مجيبة: “ابدا لم نقل هذا ابداً”، فالسيدة زاخروفا، كانت تعلم بالمخاوف الإيرانية ولكنها لم تغير في تصريحها، وترى بأن موقف روسيا لم ولن يتغير بأن مصير الأسد متروك للشعب السوري، وان الأولوية هي للدولة السورية وليست للأشخاص.

8 ـ بقي أن يعرف الناس بعد مؤتمر فيينا كيف يمكن ان يتصرف النظام السوري نفسه، فنائب وزير الخارجية الأسدي فيصل مقداد يقول: “إن كل حديث عن مرحلة انتقالية لا يلزم نظامه”، لأن ذلك سوف يوجد الاختلاف بين بشار الأسد والرئيس الروسي بوتين، الذي لم يرسل جيشه إلى سوريا للإقامة فيها، وإنما لإيجاد حل سياسي وفق فن الممكن، وليس لمزيد من الخسائر العسكرية والبشرية، وبالأخص ان التهديد السعودي بالحل العسكري لن يضمن عدم الاضرار بالدبابات الروسية ولا طائرات السوخوي الروسية، وقصة إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء ليست ببعيد، إضافة إلى إسقاط طائرة الشحن الروسية في السودان بعدها، وإن لم يسلط الإعلام الغربي الأضواء عليها، لأن تنظيم الدولة لم يتبنى اسقاطها.

9 ـ النقطة الغريبة التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار مطالبة وزير الخارجية الروسي لابروف بعد شهر من دخول الجيش الروسي الحرب في سوريا، مطالبتها للمبعوث الأممي ستيفان دي مستورا بوضع لائحة بأسماء الفصائل السورية المعتدلة واخرى باسم الفصائل الارهابية، حتى يكون قصفها محصورا للفصائل الارهابية، وهذا يعني ان السياسة الروسية والخطة العسكرية الروسية دخلت حربا لا تعرف اهدافها الحقيقية اولاً، وهذا عيب كبير في الاستراتيجية الروسية، ولكن القراءة الأخرى ترى بان روسيا لم تعد تقبل اللائحة التي يقدمها بشار الأسد لهم، ولا الأهداف التي يختارها هو للقصف الروسي، وهذا يعني تغير في الموقف الروسي العسكري من بشار الاسد نفسه.

9 ـ وأخير لا بد من النظر إلى مشاركة السعودية وتركيا في المؤتمر، وبالأخص بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، وبالأخص بعد ان فهم المجتمع الدولي ان الانتخابات التركية دارت على خلفية السياسة التركية من الارهاب الداخلي والخارجي معاً، وضرب تركيا لقواعد حزب العمال الكردستاني في العراق، وضرب قوات حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، أي أنها جاءت في القسم الكبير منها على أساس سياسي وعزم تركيا في مواجهة اعدائها الإقليميين والدوليين، وبالتالي فإن الحكومة التركية الجديدة ستكون مهيأة لتبني سياسة متشددة من بقاء الأسد، بل ومن ردع التهور الطائفي الإيراني في المنطقة بالطرق السلمية وبالأدوات الاقتصادية، وإلا فإن الاحتمالات الأخرى لا يمكن إبعادها إذا تزايدت احتمالات التدخل الإيراني في سوريا اكثر ، او إذا أصبح معارضا للحلول السياسية التي ترعاها روسيا في سوريا.

10 ـ في الختام لا بد أن ينظر إلى نتائج مؤتمر فيينا الثاني يوم السبت 14/11/2015، والذي أصدر بيانا ركز فيه على نقطتين أساسيتين هما الاعداد لمرحلة وحكومة انتقالية خلال ستة أشهر، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعدها خلال سنة ونصف، وبقيت قضية مستقبل بشار غير معلنة في بيان المؤتمر، ولكن وزير الخارجية التركي أعلن أن الاتفاق يفيد بأن بشار لن يترسخ للانتخابات الرئاسية القادمة إطلاقاً، ووقد أعلن ذلك على هامش لقاءات مؤتمر قمة العشرين في انطاليا التركية الذي عقد بعد مؤتمر فيينا بيرم واحد، فتم لقاءات قمة العشرين في اليومين 15 و16 نوفمبر 2015، وقد ركزت على طريق مكافحة الارهاب، ورفضها الربط بين الارهاب وقضية اللاجئين، كما رفض ربط الارهاب بالهويات الدينية والقومية والعرقية وغيرها.

إن روسيا في وضع لا تحسد عليه، وبالأخص بعد أن تأكد لها أن إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء كان بوضع قنبلة مصنوعة يدويا على متنها، مما أدى إلى انفجارها فوق سيناء، أي أن الأعمال الانتقامية من السياسة الروسية أخذت تجد طريقها، وفي نفس الوقت لم تجد روسيا تعاونا أمريكا ولا من الدول الأوروبية في أعمال العسكرية في سوريا، بل إن الترشيحات الأمريكية مستاءة جداً من التدخل العسكري الروسي في سوريا، ومنها تصريح وزير الدفاع الأمريكي أشتون الذي يرى بان التحركات الروسية في سوريا وفي العالم هي أخطر من إرهاب الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا، مما يفتح احتمال ان تكون الرؤية الأمريكية لطبيعة الصراع في سوريا مختلفة عنها في المستقبل، وفي هذا السياق ينظر إلى زيادة التعاون العسكري الأمريكي التركي بعين الاعتبار اولاً، وكذلك تراجع امريكا عن دعم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا بعين الاعتبار ثانيا، بعد ان أبدت روسيا تقاربا مع الأحزاب الكردية أيضاً، قد ترى فيها تركيا وإيران وحكومة الأسد مواقف متضاربة ومعاكسة لمصالحها معها.

المصدر : وطن اف ام

‫2 تعليقات

  1. تحليل بعيد عن الواقع ماحدث في شهر ونصف من اضعاف للمشروع الصهيوني واجهاض للقوى المناوئة لسوريا ظهرت نتائجه وستظر جليا قبل نهاية العام والتحليل من الغباء بحيث لا يفهم التحالف الاستراتيجي القائم على بناء المحاور بحيث عادت ثنائية القطبية بقوة الى المشهد فلم تعد امريكا ومعسكرها الفاشل الذي قاد العالم الي الهاوية وعزز الارهاب واعاد الشرق الاوسط قرنا من الزمن هي الملجا واحل وصاحبة العقد الربط والاكثر غباء طرح التهديد السعودي كمؤثر على الموقف الروسي هذا غباء باعتبار ان المراهقة السياسية لوزير الخارجية السعودي لها وزن في السياسة الروسية الجيدة التي توسس لمحور عالمي صاحب قرار رئيسى في الملفات العالمية

  2. روسيا دخلت سوريا لتغطي على فشلها في اوكرانيا وعلى اقتصادها المتهالك والمتداعي حيث قبضت مبالغ من ايران طائله وعبأت جيوب بطين ولافروف زعيما المافيات العالمية ودخلت سوريا لحماية النظام هناك ولتكريس الطائفية وقتل اطفال سوريا وشعبها نعم هذا ماتريده ايران والكيان الصهيوني وحماته بالمنطقة بدليل التنسيق بينهما وبين ايران المجوسية وعلى قادة الشعوب العربية ان تعي هذه المخططات وان تتصدى لها بكل ماتملك قبل ان تدخل اليها ايران الفارسية وتعيد امجاد الابراطورية الفارسية

زر الذهاب إلى الأعلى