مقالات

أرشد هورموزلو – آخر الخطط الحربية السورية على المسلسلات التركية

سألني صحافي عربي في فورة الاهتمام بالمسلسلات التلفزيونية التركية التي كانت تستقطب معظم القنوات الفضائية العربية وحتى الآسيوية والأفريقية عن مغزى غزو هذه المسلسلات القنوات العربية وعما إذا كانت مموّلة من قبل الدولة لتشجيع الاهتمام سياحياً وثقافياً بالجمهورية التركية.

أجبته بأن هذه المسلسلات لا تعكس فعلاً طبيعة المجتمع التركي المحافظ بطبيعته في الغالب وإنها مجرد تسويق تجاري لا يعكس بالضرورة الحقيقة التركية وإنما هي، شأنها في ذلك شأن الأفلام الأميركية عمل تجاري بحت لا يفكر القائمون به بالأضرار التي تلحق بالصورة التركية بسببها.

خذ مثلاً مسلسل السلطان سليمان القانوني المعروف عربياً باسم «حريم السلطان» فقد صوّر السلطان الكبير وكأنه كان يقضي جل وقته في القصر وتحديداً في باحة الحريم، مع أن السلطان الذي أسيء إلى صورته قضى أربعين عاماً من عمر حكمه البالغ 42 عاماً فوق ظهور الخيل وفي الفتوحات وندر أن يقضي وقته في قصر «طوب قابي» الشهير.

ذكرت كل هذا تعليقاً على قرار صدر قبل فترة وجيزة من «مجلس الشعب» التابع للنظام السوري بمنع الفنانين السوريين من الإسهام في دبلجة المسلسلات التركية باللهجة السورية لأنها في نظر النظام تمثل الواقع التركي أو الدولة التركية التي اعتبرت خلال الأعوام الأخيرة بأنها دولة معادية بسبب دفاعها عن الشعب السوري وتوجهاته التحررية.

هذا المنطق يغلب عليه الاهتمام بالقشور والانفصال عن الواقع بتغليب السلبيات لعدم الوقوع تحت طائلة النقد والحساب. هذا المنطق هو ما يجب الابتعاد عنه في مجمل العلاقات الدولية فمنطقتنا تضع العلاقات الودية بين الشعوب على الرف لتضفي عليها إما عامل الصداقة أو العداوة.

قبل فترة حدث حادث في مطار إسطنبول حيث ذكرت عائلة سعودية أنها تعرضت لإهانة متعمّدة من قبل أحد موظفي الجوازات الأتراك وتم نشر مئات التعليقات على هذا الخبر في الصحف والمواقع العربية وكأن حرب السبعين عاماً قد قامت مرة أخرى. المؤسف أن تعليقات غالبية القراء والمتابعين لم تهاجم موظف الجوازات بل هاجمت وبعنف الشعب التركي والحكومة التركية، بل ودعا الكثيرون إلى مقاطعة البضائع التركية وقضاء فترة السياحة في تركيا! في حين أن عدد الذين انتقدوا هذه الردود ودعوا إلى الموضوعية وعدم التسرّع قليل نسبياً.

اتضح بعد ذلك وببيان من سفارة خادم الحرمين الشريفين في أنقرة أن الموضوع حادث فرديّ قامت السلطات المختصة بالتحقيق فيه وأكّدت استعدادها لمعاقبة المسيء لسمعة تركيا إذا ثبتت التهمة عليه. لم أرَ أحداً من الذين كتبوا ما سبق قد تراجع عن مقولته، في حين أن الحقيقة المجردة تشير إلى حقيقة أن حوادث فردية يمكن أن تقع (ويجب أن لا تقع) في بلد يستقبل 830 مليون سائح في العام الواحد وأن إسطنبول وحدها تستقبل وتودع عشرة ملايين سائح.

هل الأمر يقتصر على ذلك؟ أبداً، فقد لاحظت الكثيرين من الأتراك يعتبرون الشعب العربي كله ممثلاً أيضاً في موظف جوازات لا يتسم باللياقة أو سائق سيارة أجرة في هذا البلد أو ذاك وهو الخطأ ذاته الذي أشرت إليه.

ما السبب في هذا التعميم؟ أكاد أكون متأكداً ورغم روابطنا ومعتقداتنا المشتركة بأننا لا نعرف بعضنا بعضاً على وجه الدقة. أسأل زملائي العرب عما يعرفونه عن الأدب التركي والعادات التركية ودهاليز الحضارة لدى الترك فلا أجد من يعلم إلا نادراً. أسألهم من هو يشار كمال أو أورخان ولي أو فضولي أو نجيب فاضل فترتسم علامة الدهشة على وجوه الكثيرين. معالم الدهشة ذاتها ترتسم على ملامح زملائي الأتراك عندما أحدثهم عن نجيب محفوظ أو أدونيس أو الطاهر وطار أو بدر شاكر السياب.

إن العلاقات الودية بين الشعوب تنمو عندما تتعرف الشعوب على بعضها بعضاً وتكون هناك حركة ترجمة نشيطة بين اللغات التي يتم تداولها في المنطقة فكلنا نعرف شكسبير وتولستوي وغوتة وساغان وهمنغواي، لا لأننا ضليعون في اللغات التي كتبوا بها ولكن وبسبب أن أداة الترجمة قد نشطت من هذه اللغات فقد تعرفنا على فطاحل الأدب ومنها نفذنا إلى التعرف على الحضارة الغربية.

الأمر الآخر أننا يجب أن لا نتوقف عند المقاربات المختلفة للحكومات فهذه المقاربات هي أمور سياسية لا تهمّ الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وقبل كل شيء العلاقات الثقافية. من هذا المنطلق أدعو إلى إعادة التئام اجتماعات التعاون بين جامعة الدول العربية والحكومة التركية وإلى إعادة تفعيل اتفاقيات واجتماعات التعاون الإستراتيجي بين الجمهورية التركية ودول مجلس التعاون الخليجي، وكما أعلم فإن هذه الاجتماعات قد توقفت بعد عدم تحقق اجتماع الكويت لعدم اكتمال النصاب ولم يجرِ تفعيلها بعد ذلك. وإذا علمنا أن هذه المنطقة هي عمقنا التاريخي والثقافي والديني والسياسي فإنه أمر مهم أن نرى أنفسنا في رقعة الصورة ذاتها مع منطقة الخليج العربي لأننا نريده خليجاً عربياً وليس فارسياً.

المصدر : الحياة 

زر الذهاب إلى الأعلى