برغم أنّه لا يتوقّع، بأيّ حال من الأحوال، قيام روسيا بالرد العسكري المباشر على إسقاط الأتراك لطائرة السوخوي ومقتل أحد طيّاريها، وإعطاب وتفجير مروحيتين روسيتين، ومقتل أحد جنود البحرية الروس، إلا أنّ تداعيات هذه الحادثة ستكون كبيرة على المسار الراهن للأزمة السورية، ومحاولات اجتراح حلول سياسية.
الرئيس بوتين ومسؤولوه سارعوا إلى اتخاذ مواقف حادّة من الأتراك، وصلت إلى وصفهم بشركاء الإرهاب. فيما جاء الرد التركي صارما، ومحميا بموقف واضح من الإدارة الأميركية و”الناتو”. ما يعني أنّنا أمام إعادة ترسيم قواعد جديدة، بعد أن قام الروس، منذ تدخّلهم، بوضع قواعد تعطيهم اليد الطولى فيما يحدث.
التطوّر الدراماتيكي جاء غداة اللقاء الذي جمع الرئيس بوتين بمرشد الثورة الإيرانية، والذي انتهى إلى مواقف متصلبة لصالح الرئيس الأسد. وهي المواقف التي قابلتها على الطرف الآخر مواقف مناقضة في اجتماع الرئيسين الفرنسي والأميركي باتجاه الإصرار على رحيل الأسد، وتحميله المسؤولية في صعود “داعش” وتفشّي الراديكالية والتطرف.
لا تقف التطورات عند هذا الحدّ؛ إذ سرّبت مصادر مقرّبة من النظام السوري أنباء عن توتّر شديد بين موسكو ودول الخليج، التي يتهمها الروس بتزويد المعارضة بصواريخ متطورة، قادرة على الوقوف في وجه التكنولوجيا العسكرية الروسية التي دخلت بقوة وكثافة في محاولة لتمشيط المنطقة الجغرافية المحاذية لساحل “المتوسط”.
في المحصلة، الأمور على الأرض تزيد تعقيدا. إذ مع إصرار الأتراك -بضوء أخضر أميركي- على إقامة المنطقة الآمنة، وتجاهل الروس لتحذير أنقرة من المضي قدما في السيطرة مرة أخرى على جبل التركمان، فإنّنا أمام مرحلة تصعيد في العمل المسلّح وتنام في التوتر، بخلاف الأجواء المتفائلة التي سادت قبل أيام قليلة في الأوساط الروسية والأميركية والتركية، وتتحدث عن تطبيق المبادرة الروسية والبدء بمرحلة الانتقال السياسي خلال أسابيع قليلة.
ذلك يقودنا إلى السؤال الأكثر أهمية، والذي يتوارى وراء هذه التطورات الكبيرة، وهو: ما الذي حدث كي تنقلب حالة التفاؤل السياسي إلى تصلب متبادل في التصريحات الدبلوماسية، ثم ارتفاع منسوب التوتر في الميدان؟!
الجواب يتمثل في أنّ التفاصيل القادمة المهمة في الحل السياسي، ترتبط عضويا بما يحدث في الميدان وبميزان القوى. لذلك، فإنه في الوقت الذي يحاول فيه الروس المسارعة إلى إحداث فرق كبير لمصلحة النظام السوري وتعزيز موقفه وإجبار الآخرين على تقديم التنازلات، فإنّ الرسالة التركية-الأميركية والخليجية واضحة، وتتمثّل في أنّه لن يسمح للروس بتغيير ميزان القوة جذريا، وأنّ عليهم معرفة أنّ هناك “حدودا” لدورهم المطلوب في سورية.
الأكثر أهمية في الرسالة الثلاثية (التركية + الغربية + الخليجية)، يتمثّل في وضع الروس أمام خيارين؛ إما تقديم التنازلات المطلوبة في التفاصيل السياسية القادمة، والقبول بما سماه رئيس وزراء بريطانيا سابقا “الحل الوسط”، أي رحيل الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية، بعد نزع صلاحياته الكاملة، وتدوير الزوايا الحادّة الروسية في تفاصيل أخرى، وإما تحويل سورية إلى “مستنقع” شبيه بأفغانستان تماما، وتوريط الروس في حرب بالوكالة (Proxy War)، عبر إغراق المعارضة المسلحة، غير المصنّفة إرهابيا، بالسلاح المتطوّر، من خلال البوابة التركية-الخليجية.
إذن، لا يوجد شيكٌّ موقّع على بياض للدور الروسي في سورية، من قبل الطرف الآخر. ولن يُسمح لروسيا بتنفيد سياسة الأرض المحروقة لإنقاذ الأسد، عبر الغارات التي تستهدف الجيش الحرّ أكثر مما تستهدف “داعش”. هذه هي الرسالة التركية الموشّحة بتوقيع “الناتو” ودول عربية، فكيف سيكون الجواب الروسي؟!
المصدر : الغد الأردنية