لم أصدق رواية رئيس حكومة الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة السورية حول ما حدث له على معبر باب الهوى، وأن “فصيلاً مسلحاً” منعه من دخول بلاده، لأنه لم ينسق معه بصورة مسبقة.
وأصدق أنه أخطأ، حين انفعل وأصدر بيانا يرى في مجاهدي هذا الفصيل “مجموعة متطرفة”، وهذا وصف ما كان يجوز أن يصدر عنه، بما أنه قد يستخدم لاتهامه بالإرهاب، في لحظة يصنف فيها الأردن وضباط مخابرات أجانب قوى الثورة، ويُفرز فيها الإرهابيون لقصفهم بقوات جوية روسية/ دولية مشتركة. وأصدق أخيراً رئيس الحكومة في قوله إن الفصيل المعني رفض عرض مصالحة قدمه له، وأصر على استقالته أو إقالته، وحصل على تواقيع 47 فصيلا مسلحا، يطالبونه بالاستقالة، من دون قيد أو شرط.
عندما ناقش الائتلاف هذه المشكلة في هيئته العامة، يوم 22 من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بطلب من رئيسه خالد خوجه، تمت أول الأمر مقاربة الموضوع من زاوية المصالحة بين الطرفين، وحين شكل “حكماء” الائتلاف لجنة مصغرة للبت في شكل المصالحة، خرجوا بقرار يلبي طلب الفصيل، وهو استقالة رئيس الحكومة، لأنه تطاول على فصيل مقاتل، ووصف من منعوه من أعضائه بدخول سورية بأنهم “مجموعة متطرفة”، سيصنفها المصنفون مجموعة إرهابية، مع ما سيترتب على ذلك من تطورات عسكرية ضدها، ستبدل حتماً موازين القوى بين النظام والثورة، وقد تفضى إلى هزيمة الأخيرة، والعياذ بالله. بذلك يكون ” حكماء” الائتلاف قد أنقذوا مشكورين الثورة.
أصدق هذا كله، لكنني أطرح الأسئلة التي لم يجرؤ أي عضو في “الائتلاف” على طرحها، وترتبط بحقائق دامغة لا يمكن إنكارها:
ـ هل طرح رئيس الائتلاف، خالد خوجه، المشكلة من دون خلفيات انتقامية، تتصل بانتمائه إلى تكتل وجد في ما فعله رئيس الحكومة السانحة التي كان يترقبها لإقالته، توهماً منه بأنه ينتمي إلى تكتل آخر، وهل أحسن اختيار التوقيت؟ خلال الاجتماع، لام خوجه رئيس الحكومة، لأنه لم ينسق معه قبل دخول وطنه، فهل نسي سيادته أن الهيئة العامة رجته، طوال يوم ونصف، أن يقبل التنسيق مع الهيئة السياسية الذي تلزمه نصوص النظام الداخلي للائتلاف به، وليس قضية يقرّرها بمزاجه، لكنه رفض ما يشبه الإجماع على ضرورة هذا التنسيق، في الظرف الحالي شديد الصعوبة، واقترح أن ينسق مع رؤساء الكتل، وحين قيل له إن هذا مخالف لنظام الائتلاف الداخلي، أصر على موقفه المخالف لنظام الائتلاف ولضرورات العمل المشترك والمسؤولية الجماعية؟
ـ هل طرح رئيس الائتلاف، خالد خوجه، المشكلة من دون خلفيات انتقامية، تتصل بانتمائه إلى تكتل وجد في ما فعله رئيس الحكومة السانحة التي كان يترقبها لإقالته، توهماً منه بأنه ينتمي إلى تكتل آخر، وهل أحسن اختيار التوقيت؟ خلال الاجتماع، لام خوجه رئيس الحكومة، لأنه لم ينسق معه قبل دخول وطنه، فهل نسي سيادته أن الهيئة العامة رجته، طوال يوم ونصف، أن يقبل التنسيق مع الهيئة السياسية الذي تلزمه نصوص النظام الداخلي للائتلاف به، وليس قضية يقرّرها بمزاجه، لكنه رفض ما يشبه الإجماع على ضرورة هذا التنسيق، في الظرف الحالي شديد الصعوبة، واقترح أن ينسق مع رؤساء الكتل، وحين قيل له إن هذا مخالف لنظام الائتلاف الداخلي، أصر على موقفه المخالف لنظام الائتلاف ولضرورات العمل المشترك والمسؤولية الجماعية؟
وهل ينسق سيادته مع أمين عام الائتلاف الذي أكد، أمام الهيئة، أن خوجه لا يتواصل إطلاقا معه، ولفت نظره، بلغة واضحة، إلى أن سلوكه لا يتصل بعلاقته معه كفرد، وإنما يرجع إلى سعيه إلى تدمير الائتلاف كمؤسسة، والدليل امتناعه، طوال فترة رئاسته، عن التشاور مع أي أحد وأية جهة في الائتلاف، وحجبه ما يصل إليه من معلومات عن أعضاء التجمع وهيئة الرئاسة التي لا تعلم بتحركاته، ورفضه الاعتراف بالهيئة السياسية جهة يخصها نظام الائتلاف الداخلي بالمسؤولية عن رسم سياسات الائتلاف، وتنفيذها بين هيئتين عامتين؟
ـ هل يعترف الفصيل المعني بالائتلاف؟ كلا ، إنه لا يعترف به. وهل يحق له احتلال مرفق سيادي، هو معبر باب السلامة والاستيلاء على موارده التي تقدر ب 12 إلى 15 مليوندولار سنوياً، هي مورد وطني كان يجب أن يذهب إلى تمويل أعمال الحكومة والائتلاف، المفلسين تماماً منذ أشهر عديدة؟ من الجلي أن سيطرة الفصيل على المعبر، واستيلاءه على موارده الوطنية، يضعانه خارج أية شرعية، أو وضع قانوني، بل وخارج صف الثورة، وإلا ما معنى رفضه الاعتراف بالائتلاف، واعتدائه على رمز سيادي، لا يجوز أن تديره أية جهة، غير المؤسسات الشرعية كالحكومة؟ وبأي حق يستولي على ممتلكات وموارد عامة، ويفرض أتاوات مالية على أي شيء ترسله حكومة الائتلاف إلى الداخل؟
ـ بأخذ هذه الحقائق والاعتبارات بالحسبان، من الذي قدّم الرواية الكاذبة: رئيس الحكومة الذي كان لذهابه معنى رمزي يكتسب أهميته من إعلان تركيا قرب الشروع بإقامة المنطقة الآمنة؟ أم قيادة الفصيل التي يرجح أن تكون قد رأت، في زيارته، بداية نهاية سيطرتها على المعبر وموارده، وحرمان بعض قادتها من نهر مالٍ يصب في جيوبهم، يعني فقدانه إجبارها على الاعتراف بالائتلاف ومؤسساته الرسمية وطلب العون منه، مع ما يعنيه ذلك من الالتزام بسلوك مناقض لسلوكها الحالي، يتفق وأخلاقيات الثورة والمصالح الوطنية؟
ـ أخيراً: هل صحيح أن ما وقع هو نزاع بين طرف ثوري منزّه عن العيب، ورئيس حكومة اعتدى عليه حين وصفه بالمتطرف، وأوحى لمن سيصنفونه بأنه إرهابي، كأن ما يفعله لا يكفي لتصنيفه، أو كأن المصنفين ينتظرون “وشاية ” من أحد ما ليحددوا هويته؟ وهل يجوز التخلي عن رئيس حكومة الائتلاف بهذه الطريقة المهينة للائتلاف، قبل غيره، بدل التوقف طويلاً عند وضع الفصيل وسلوكه كجهة تعتدي على الثورة وقيمها، وتنهب أموالها، وتدين رئيس الحكومة في بيان علني، لأنه لم يحصل على إذن منها بدخوله إلى وطنه، وتعامله وكأنه موظف لديها أو تابع لها، وليست هي التي كان يجب أن تتبع له، لو كانت تحترم القانون والثورة والائتلاف؟ هل يجوز، أخيراً، تحويل الموضوع إلى صراع بين السياسي والعسكري في الثورة، يحتم رضوخ الأول للثاني، والاستجابة لطلب الفصيل باستقالة رئيس الحكومة، “إنقاذاً للثورة”، وللساسة من حملة البنادق؟
لم يلاحظ من استغلوا الحادثة للتخلي عن رئيس الحكومة، وجلب واحد من جماعتهم، اسمه معروف منذ أشهر، أن هذا جعلهم يقرؤون ما حدث بأكثر الطرق إضراراً بالمصلحة العامة. وبدل محاسبة رئيس الوزارة على أداء حكومته الضعيف، اتخذوا قرار إقالته من دون تصويت، امتثالا لانقلاب عسكري قام به فصيلٌ حصل على دعم تنظيمات عسكرية أخرى، في مكاسرة أراد العسكر بها تبيان حقيقة موازين القوى بينهم وبين السياسيين، وإظهار قدرتهم على فرض ما يحلو لهم، وكان جديراً بالائتلاف رفض الاستجابة لمطلبهم، ومواجهتهم بروح المسؤولية الوطنية، ولو زحفت حشود المسلحين إلى إسطنبول. ذلك لو حدث، لكان أشرف ألف مرة لأعضاء الائتلاف من موافقتهم من دون تصويت على انقلاب عسكري أرعن انصاعوا له، سيمثل علامة فارقة في خراب سورية القادمة التي لن تكون ديمقراطية، وستخضع من جديد لنزوات عسكريين دمروا وطننا، بدءاً بانقلاب حسني الزعيم وصولاً إلى حرب الإبادة الشاملة التي يشنها عسكر “البعث” على شعبنا.
وقد استقلت من الائتلاف كي لا أسهم في هذه الجريمة السياسية التي أرى فيها، وفي حادثة المعبر، وتعامل الائتلاف، دليلاً دامغاً على فشله، وتخليه عن وظيفته، مؤسسة وطنية تمثل شعب سورية.
المصدر : العربي الجديد