الأرقام في تصاعد مستمر، ولكن ردود الأفعال تجاهها تبدو على حالها من دون تغيير. كل اعتداء إرهابي صارخ على مدينة غربية يكون مقرونا بتصاعد ملحوظ في الهجمات التي تستهدف المسلمين في الغرب، وكانت هذه هي الحال بعد الاعتداءات المنسقة التي استهدفت باريس الشهر الفائت والتي راح ضحيتها 130 قتيلا.
وطبقا لمشروع “تيلماما” الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرا له ويقدم خدمات عامة تعنى بقياس ورصد الهجمات المعادية للمسلمين -الجسدية واللفظية منها-، فإن ذلك النوع من الهجمات قد قفز بنسبة 275% في الفترة التي تلت الاعتداءات التي نفذت في العاصمة الفرنسية باريس. وتظهر المعلومات أن غالبية الهجمات نفذت ضد النساء.
ولا يختلف الحال في الولايات المتحدة، فقد تصاعد استهداف المسلمين بعد الهجمات الدموية في باريس ثم بلغت مستويات جديدة بعد الهجوم الذي نفذه زوجان مسلمان في سان بيرناردينو بولاية كاليفورنيا الأميركية وقتل فيه 14 شخصا.
في البلدين -وبلدان أخرى كذلك- تعرضت المساجد وأعمال المسلمين ومنازلهم للاستهداف، كما سجلت حوادث اعتداء لفظي في الأماكن العامة مثل الحافلات والقطارات.
مؤشرات مخيفة
وتقول التقارير إن امرأة مسلمة تعرضت الشهر الماضي في العاصمة البريطانية لندن للدفع نحو سكة حديد بينما كان هناك قطار قادم بسرعة عالية. وفي مدينة سان دييغو بكاليفورنيا، هوجمت امرأة مسلمة حامل.
إن الحوادث المسجلة تحمل مؤشرات مخيفة من حيث تكرارها اليومي، وتدل على تعرض المسلمين للاتهامات اللفظية والتهديد والاعتداء. إلا أن رد فعلنا على تلك الموجة من استهداف المسلمين ليس جديا كما يجب، بل حتى ليس قريبا من الدرجة التي يجب أن يكون عليها، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار جدية الشكاوى والخوف الواضح الذي تسببت به (في أوساط المسلمين).
لماذا؟ إن الجاليات الإسلامية على جانبي (المحيط) الأطلسي هي جاليات صغيرة، بل أصغر مما نتوقع، بعكس الادعاءات بما يسمى غزو إسلامي أو قنابل ديمغرافية (إسلامية) موقوتة، وهي ادعاءات باتت تتردد كثيرا في وسائل الإعلام.
المسلمون في بريطانيا يشكلون 3% من عدد السكان فقط، بينما في الولايات المتحدة هم أقل من 1%. يعتقد الناس غالبا أن الجاليات الإسلامية في الغرب أكبر بكثير من ما هي عليه حقيقة، إلا أن الأمر على النقيض من ذلك لدرجة أن تلك الجاليات لا يساعدها حجمها على الحضور الملحوظ ولا تملك الثقل الاجتماعي لجذب الانتباه للتعسف القميء الذي تتعرض له.
لنأخذ المملكة المتحدة على سبيل المثال، هل هناك كُتّاب مسلمون كبار يثيرون القضية بصورة مستمرة في أعمدتهم في الصحف بحيث تنقلها برامج الأخبار أو تصبح موضوع نقاش على التلفاز؟
أما الساسة على الجانب الآخر، فالدفاع عن المسلمين لا يأتي بأي منفعة على الصعيد السياسي، بل الأدهى من ذلك، وكما نرى وبصورة مستفزة، فإن المناظرات الرئاسية للحزب الجمهوري في الولايات المتحدة ترتكز على قناعة مشتركة بين المرشحين، وهي أن الهجوم على المسلمين أمر جيد لحشد التأييد الانتخابي.
كما أن تلك النسب الصغيرة للجاليات المسلمة تعني أن لديها فرصة ضئيلة لمواجهة الترويج الهائل للصورة السلبية عنها سواء تلك التي تتردد في وسائل الإعلام أو المتمثلة في آراء يقولها بعض الساسة. وبالطبع، فإن المواجهة الوحيدة التي قد يقوم بها المسلمون للدفاع عن أنفسهم هي المواجهات التي تحدث وجها لوجه في الحياة اليومية.
“المسلمون في بريطانيا يشكلون 3% فقط من عدد السكان، بينما في أميركا هم أقل من 1%. يعتقد الناس غالبا أن الجاليات الإسلامية في الغرب أكبر بكثير من ما هي عليه حقيقة، إلا أن الأمر على النقيض من ذلك لدرجة أن حجمها لا يساعدها على الحضور الملحوظ ولا تملك الثقل الاجتماعي لجذب الانتباه للتعسف الذي تتعرض له”
وعندما قام البريطاني المتخصص في علم الجريمة عمران أوان بنشر تقرير له عن ما بات يعرف باسم الإسلامفوبيا، تلقى سيلا من رسائل البريد الإلكتروني المليئة بالكراهية والتهديدات التي أتته عن طريق الإنترنت.
وبعبارة أخرى، فإن تقرير أوان الذي ركز على الترهيب والتخويف والكراهية والتحريض ضد المسلمين على الإنترنت قد قوبل بالأساليب ذاتها.
وبالإشارة إلى تقرير نشر مؤخرا في صدر واحدة من أكثر الصحف انتشارا في المملكة المتحدة، ذي صن، فإن المعلومات التي أوردها تدعي أن واحدا من كل خمسة مسلمين لديهم تعاطف مع الجهاديين.
ويقول أوان في هذا الخصوص إن “التقارير الصحفية المتحاملة” قد خلقت “انطباعا عاما بأن المسلمين مشكوك فيهم وليس هناك مجال لأن يكون المسلم أي شيء آخر”.
وقد وصف تقرير ذي صن منذ نشره أنه مضلل بشكل خطير، أما الاستبيان (الذي أسيئ فهمه) الذي استند إليه التقرير فقد تبرأت منه الشركة التي أجرته.
نحن وهم
فإذا كان المسلمون البريطانيون يصنفون على أنهم مثيرون للريبة وخطرون، فذلك يعني أنهم لا يستحقون التعاطف، وهو ما قد يفسر قلة الاهتمام الواضح بجرائم الكراهية التي يتعرض لها أبناء هذه الجالية.
لا يمكن للمرء أن يكون “المشكلة” وكذلك الضحية في وقت واحد. ويتجلى هذا المفهوم في تفسير قصور وسائل الإعلام في التركيز على حقيقة أن المسلمين هم ضحايا الإرهاب: ففي نهاية الأمر، المسلمون في العراق وسوريا بشكل خاص هم الذين يعانون من أفعال تنظيم الدولة الإسلامية.
وإذا كانت هناك قناعة نحو جالية معينة أنها “مثيرة للشكوك”، فذلك يبدو وكأنه الخطوة الأولى نحو الافتراض بتورطها في الجرم. يقول فياض موغال مدير “تيلماما” “دائما وأبدا، وبالتحديد على منصات التواصل الاجتماعي، يقول الذكور إنهم (المسلمين) هم الذين جلبوا ذلك على أنفسهم”.
إن المنفذين لجرائم الكراهية ضد المسلمين هم في الغالب الأعم ذكور بيض تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما.
لكن هناك ما هو أدهى وأمر، حيث يبدو الأمر وكأن هناك نوعا من التراتبية في فرض الخوف تملي علينا من هو الذي “يستحق” أن يشعر بالخوف ومن هو الذي يتصنع الشعور بالخوف أو بالأحرى لا يستحق اهتمامنا، أي الجالية المسلمة.
وطالما أن الخوف من الإرهاب حقيقي في الغرب، وطالما أن التهديد يمكن حصره بمجموعة معينة، فإن ذلك الخوف سوف يبقى الخوف الأكبر الذي لا يعلو عليه خوف من أي نوع آخر. ورغم أن خطر التعرض للهجوم يطال جميع من يعيش في المملكة المتحدة من دون تمييز ومن ضمنهم المسلمون، فإنه من الواضح أننا حسمنا أمرنا بأن الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون لا يمكن أن ينال اهتمامنا في ظل المناخ السائد حاليا.
وهذا هو بالضبط ما تعرض له عمران أوان الذي أصدر تقريره عن الإسلامفوبيا بعيد مقتل الجندي البريطاني لي رغبي على يد متطرفين مسلمين عام 2013. يقول أوان إنه واجه ذلك النوع من رد الفعل بالضبط وبما معناه: لماذا تسلط الضوء على المسلمين؟ هم ليسوا الضحية هنا.
وفي السياق نفسه، توصلت الباحثة أماندا روجرز في جامعة ولاية جورجيا الأميركية إلى نفس النتائج في بحثها الذي تناول العنف الطائفي، حيث رصدت حلقات النقاش على الإنترنت، ووجدت نمطا متكررا لتلك الانطباعات.
تقول روجرز “رأيت ما هو أكثر من إنكار وجود المشكلة، رأيت أناسا يحاولون تسطيح القضية. تتكرر فكرة أن المسلمين يصطنعون الأمور وأنه لا يتعين علينا القلق على مشاعرهم طالما هناك هجمات الحادي عشر من سبتمبر أو طالما أن الأولوية الأولى هي المحافظة على أمننا”.
بعبارة أخرى، فإن مفهوم “نحن وهم” في الحرب على الإرهاب قد خلق أيضا حالة من الانعدام التام لأي تعاطف أو إحساس بالمعاناة. لذلك، يمكن أن نضيف وجود هذا المفهوم على لائحة الأساليب التي اتبعناها وأثبتت أنها أتت بنتائج عكسية وهزت القيم التي ندعيها وأدت إلى تصدع مجتمعاتنا.
لا نستطيع بالطبع أن نكون انتقائيين في تعاطفنا وإحساسنا بالغير، وهو أمر جوهري وأساسي لأي مجتمع صحي.
كما يجب أن يكون واضحا لدينا وبغض النظر عن أي شيء، أن شيطنة ومهاجمة الأقلية المسلمة بشكل متزامن أمرٌ من شأنه إنزال أكبر الضرر بأي جهد لمواجهة الراديكالية والتشدد.
وقد يكون من المنطقي أن نبدأ بأخذ القضية على محمل الجد والتعامل مع معضلة اضطهاد المسلمين التي تتزايد يوما بعد يوم، وقد يكون أسطع دليل لنا على ذلك حقيقة أن ربات البيوت المسلمات في الغرب قد بدأن بالعزوف عن الخروج من منازلهن مخافة التهجم عليهن في الشوارع.
المصدر : الجزيرة نت