مقالات

سمير صالحة – متاهة “حق الرد” على اغتيال القنطار

عملية استهداف سمير القنطار، وهو في دمشق، لا بد، وفي أحسن الأحوال، أن تشعل أزمة بين التحالف الذي ينسق، منذ سنوات، للذود عن النظام السوري، خصوصا لناحية التوقيت والجهة الفاعلة ومكان الهجوم وطريقته، والدور الروسي المباشر في الحادثة. 

وقد حمل اختيار دمشق لتكون مكان اغتيال القنطار على مرأى منظومة صواريخ إس 400 الروسية التي يبدو أنها مبرمجة فقط لاستهداف طائرات تركية تحلق في الأجواء السورية حمل جملة من الاستفسارات والتساؤلات، تتقاطع كلها عند حقيقة مرة، لا يمكن تجاهلها، وهي أن إسرائيل تتمتع بحرية التنقل الكامل، جواً وبراً وبحراً في سورية، وبحصانة كاملة من موسكو.

وفيما كان إعلام إيران وحزب الله يواصل حملته ضد تركيا، لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، واحتمالات عودة هذه العلاقات إلى سابق عهدها قبل العام 2009، وتخلي حزب العدالة والتنمية عن حركة حماس، وشرط رفع الحصار عن قطاع غزة في مقابل صفقة غازية تعقد مع إسرائيل، في أثناء الحملة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يردد أن العلاقات الإسرائيلية الروسية في أحسن أحوالها، وأن تفاهما تم بين الجانبين حول مصالحهما المشتركة في الأجواء السورية.

وها هو جهاز المخابرات الإسرائيلية، الموساد، يثبت تفوقه، مرة أخرى، في رصد تحركات كوادر حزب الله وقياداته وتنقلاتهم بين بيروت ودمشق، وقتل عميد الأسرى العرب الذي كان يحارب إلى جانب النظام السوري باسم المقاومة، وإيران، فمن أدار الظهر للقنطار، وهو في ضيافة سورية، وتحت حمايتها؟ ويقول الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إننا لسنا أمام عملية أمنية مبهمة، ويتحدث عن أصابع إسرائيلية واضحة ويشير إلى أنه بات من حق المقاومة أن ترد على إسرائيل، أينما كان وكيفما كان وفي أي مكان، فلماذا تكتفي دمشق بالحديث عن إرهابيين لا تعرفهم، وتختار موسكو الصمت، وكأن ما جرى لا يعنيهما؟

إما أن يرد حزب الله عبر جنوب لبنان، فيفتح الأبواب أمام مواجهة يدفع لبنان ثمنها، كما العادة، أو تقنعه دمشق بالتريث وعدم التسرع. أما معادلة “أينما كان وكيفما كان وفي أي مكان” فإنها بالغة الخطورة قانونياً وسياسياً وأخلاقياً، خصوصا أن العالم يناقش مسائل الحرب على الإرهاب، وتعريف الإرهابي وطريقة تنفيذه هجماته، فهل يعقل أن يدخل حزب الله في مغامرةٍ من هذا النوع، ويحول العالم إلى ساحة مواجهة مع إسرائيل، عند الرد عليها في العواصم الغربية والأوروبية مثلاً.

أم سيرد حزب الله على الذين سهلوا لإسرائيل الوصول إلى قلب العاصمة السورية مرة أخرى، لاستهداف قياداته وكوادره التي تقاتل مع النظام السوري، من دون أي تردد، والرسالة تعني الأسد وبوتين، قبل أن تعني تل أبيب؟

وتتركنا رسائل الأمين العام لحزب الله، يوم تشييع سمير القنطار، أمام احتمالين، أن يكون ما قاله رسالة سياسية إعلامية لا أكثر باتجاه القواعد الحزبية، وأنه لن يغرّد خارج السرب الإيراني الذي لن يسأل دمشق وموسكو عما جرى، أو أن طهران تعد نفسها حقا للخروج من المستنقع السوري مع حزب الله، وهي كانت في حاجة إلى فرصة من هذا النوع للانسحاب، منحتها لها.

أخيراً، الغارة الإسرائيلية التي من المفترض أن تترك روسيا في ورطة أمام حلفائها الإقليميين والمحليين الذين راهنوا على الترسانة العسكرية التي تم نقلها إلى سورية، استعداداً للمعركة الكبرى، والمفترض أن تربك الغارة حزب الله في سياسته السورية، بسبب الثمن الباهظ الذي يدفعه هناك، وأن تحاصر النظام أكثر فأكثر، بسبب عدم استخدامه حق الرد الموعود على أكثرمن غارة واعتداء إسرائيلي داخل الأراضي السورية. كما أن الغارة يفترض أن تدفع طهران التي حملت إسرائيل مسؤولية اغتيال القنطار للرد على شركائها الذين يتجاهلون فقدانها أهم قياداتها وكوادرها خارج الجبهات، في الأبنية السكنية ومواقف السيارات. 

وتقول أبسط قواعد العلاقات الدولية وأسس القانون الدولي، إن مواطناً لبنانياً قتل في قلب العاصمة السورية قبل أيام، نتيجة غارة جوية استهدفت مكان وجوده، فستسأل السلطات الرسمية في بلاده دمشق عن الحادثة، ولا بد أن تحصل على معلومات وتفاصيل مقنعة، تقدمها لذوي القتيل، وإلا فإن الدولة السورية هي التي تتحمل مسؤولية ما جرى، وستسارع السلطات اللبنانية لتحذير مواطنيها من الذهاب إلى سورية، حتى لا يلقوا المصير نفسه. ولكن المسألة غير ذلك تماماً، فقد كان سمير القنطار يقاتل في سورية دفاعاً عنها ضد سوريين آخرين تمردوا على النظام، فما الذي ستفعله الحكومة اللبنانية عندها؟

في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت موسكو وتل أبيب عن إنجاز تفاهم عسكري، ينظم حركة الطيران الحربي في الأجواء السورية، بعدما رددت إسرائيل مراتٍ أن الطائرات الروسية تخترق أجواءها. وقد أعلنت روسيا الحرب الاقتصادية على تركيا التي أسقطت طائرتها، فيما أظهرت إسرائيل تفهماً وتعاوناً مشتركاً، بعيداً عن حق الرد. وبذلك، يمكن حسبان الغارة الإسرائيلية، أخيراً، خدمة قدمتها موسكو لتل أبيب، في مقابل تساهلها في مسألة اختراق أجوائها، وإلا لكانت لجأت إلى إطلاق صواريخها، وإسقاط المقاتلات الإسرائيلية لحماية سورية من أي عدوان، طالما أن الأجواء السورية تحت وصايتها منذ أشهر.

إسرائيل قادرة على الوصول إلى دمشق، ومهاجمة أي هدف تختاره هناك، قادرة على مهاجمة أهداف عسكرية ومبان حكومية ورسمية، بينها القصر الجمهوري لو أرادت، لكنها هنا تختار أهدافاً تقول إنها تهدد أمنها القومي. ويقول المنطق إنه لا بد أن تحدث قطيعة بين حزب الله ودمشق، بسبب ما جرى، لأن نصر الله يريد استخدام حقه بالرد، بينما موسكو ودمشق يتجاهلان العدوان الإسرائيلي. وقد تحدث خبراء عسكريون إسرائيليون عن التنسيق المباشر مع روسيا في هذا الهجوم. ونصر الله، باتهامه إسرائيل، يكون قد اتهم موسكو ودمشق مباشرة بالتواطؤ. أما القيادة الايرانية، الشريك الرابع هنا، فقد باتت في وسط المصيدة. يسقط رجالات لها في دمشق نتيجة مؤامرة روسية إسرائيلية، وتصمت التزاماً بتعهدات حماية النظام الذي يساوم مع الآخرين من وراء ظهرها وعلى حسابها.

الكرملين الذي كان يدقق في الصندوق الأسود لطائرته الحربية التي أسقطتها مقاتلات تركية، والذي أشاد بتفهم إسرائيل اختراق الطيران الروسي أجواءها بين حين وآخر، إما أنه يرد الجميل الإسرائيلي بخدمة تسهيل قتل سمير القنطار، أو أن منظومة صواريخه كانت في سبات عميق ليلة تنفيذ الهجوم. وسيتطلب اغتيال القنطار مزيداً من التنسيق الروسي الإيراني الإسرائيلي لمنع تكرار هجمات من هذا النوع، وهذه مهمة موسكو، طالما أن علاقاتها جيدة مع الطرفين، فهل ستفعل ذلك أم ستستغل هذا التباعد بينهما، وتجيّره إلى نقاط رابحة على حسابهما تستخدمها عند اللزوم؟ 

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى