مقالات

حميد دبشي – لماذا لن أصوت لهيلاري وسأصوت لبيرني ساندرز؟

في مقابلة أجراها مؤخرًا مع قناة الجزيرة، صرّح المعارض الشهير للولايات المتحدة، وبروفيسور اللغويات المرموق، نعوم تشومسكي، بأنه يدعم المرشح الرئاسي بيرني ساندرز، الذي يعتبره “أفضل السياسين الديمقراطيين المتنافسين للرئاسة في هذه السنة الانتخابية”.

 

ولكن بما أنه لا يعتقد بأن ساندرز لديه فرص كبيرة للفوز، خلص بحديثه للجوء إلى الموقف التقليدي مصرحًا بأنه “سيصوت لكلينتون بالتأكيد بمواجهة أي مرشح جمهوري”؛ فالجمهوريون، على حد تعبيره، يشكلون خطرًا على العالم.

في خطوة مماثلة بشكل ملحوظ، قامت صحيفة ذا نيشين الصهيونية الليبرالية بالإعلان بكل ود وإخلاص أنها تؤيد بيرني ساندرز، ولكن مراسل الصحيفة للشؤون الوطنية جوان والش، أعلن بصراحة من خلال موضوع مخصص دعمه لكلينتون عندما كتب: “لماذا أدعم هيلاري كلينتون، بفرح ودون ندم”.

صحيفة ذا نيشن الليبرالية الصهيونية تمتلك متجر زاوية جيد ضمن مركز التسوق السياسي في الولايات المتحدة، ومن خلال هذه الزاوية تمرر ما تصفه بـ”السياسة التقدمية” في الشؤون الداخلية، بينما تعمد من جهة أخرى، لترويج دعوات الحرب الوحشية لشركات وول ستريت ولصالح إسرائيل، معتمرة وجهًا مزودجًا يشبه وجه الآلهة يانوس، ومعتبرة بألّا أحد يستطيع أن يتلمس سياساتها الخبيثة.

عدو عدوي ليس صديقي

ولكن، التصويت لهيلاري كلينتون، هو أولًا وقبل كل شيء، تصويت لصالح هيلاري كلينتون، وليس تصويتًا ضد الجمهوريين.

التصويت لصالح كلينتون قد يبدو في الواقع خيارًا ملائمًا للهروب من التصويت للجمهوريين، الذين ينكرون ظاهرة التغير المناخي، ويسعون لتدمير العالم، ليحلقوا بعدها للعيش في كوكب آخر، ولكن التصويت لكلينتون هو تصويت لصالح داعية حرب غير تائبة، تعمل لصالح الشركات العميلة الكبرى، وتسعى لإغراق الإسرائيليين والمصريين بشحنات هائلة من الأسلحة لتدمير الأجزاء الأكثر فقرًا وضعفًا من شعوب العالم، في الوقت الذي تلتفت فيه عن أفغانستان والعراق، وحتمًا، عن سوريا، لتترك هذه البلدان تتعفن وتتشظى جرّاء أزماتها، دون الشعور بأدنى ذرة من المسؤولية الأخلاقية للعبث بسيادة هذه الدول.

سأصوّت بغبطة لساندرز في الانتخابات التمهيدية، وآمل أن يستطيع الفوز على هيلاري كلينتون وجميع أفواج الجمهوريين ليصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة، ولكن حتى لو لم يستطع ذلك، لن أصوات بتاتًا لصالح هيلاري “مارغريت تاتشر” كلينتون، التي أراها، في الواقع، داعية حرب أكثر بشاعة وخطورة من كافة الجمهوريين المجانين مجتمعين.

الجمهوريون المجانين هم سياسيون لا يتمتعون بكيانات سياسية، ولا يحوزون أي فكرة عن كيفية تمرير التشريعات ضمن الكونجرس، أما هيلاري كلينتون وزوجها، فهما متمرسان وخبيران في فن أصول الحكم، ويستطيعان قيادة أية تشريعات من شأنها أن تسهّل مهمة تفجير المزيد من القنابل فوق رؤوس السود والملونين في جميع أنحاء العالم، ولن يأبها حقًا إذا تمت عرقلة أجنداتهما المحلية الليبرالية في الكونجرس.

من النفاق الليبرالي المدهش أن نتجاهل هذه الحقائق لنصوّت لكلينتون، في ظل أنها أيضًا ضد حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وإحدى المتحمسات للمشروع الصهيوني، بحجة أن التصويت لها هو تصويت ضد الجمهوريين.

الولايات المتحدة هي أولًا وقبل كل شيء إمبراطورية مبنية على وهم الجمهورية الهش، لذا يتوجب على مليارات البشر في جميع أنحاء العالم أن يتوجسوا خوفًا من الرئاسة الإمبريالية الشرسة لهيلاري كلينتون.

فإذا كان الصهاينة الليبراليون، الذين سيسعون، تماشيًا مع ذات المنطق، لمعارضة حملة المقاطعة والتصويت لهيلاري كلينتون، بغية الحفاظ على أوهام تلك الجمهورية في مواجهة حقيقة الإمبراطورية القاتلة، فإن هذا خيارهم بطبيعة الحال، ولكن تكرار العبارة الممجوجة القديمة حول كون التصويت لكلينتون هو تصويت ضد الجمهوريين، لن يخدم، لحسن الحظ، الغاية المنشودة.

الحدود الديمقراطية للإمبراطورية الأمريكية

علينا أن نكون متأكدين بأن ساندرز لن يكون سلفادور أليندي، هوجو شافيز، أو حتى جيريمي كوربين أو أليكسيس تسيبراس بالنسبة للولايات المتحدة، وانعدام إمكانية تحقيق ذلك ليس مرتبطًا بشخصية ساندرز بحذ ذاته، بل بالإمبراطورية التي يسعى ليترأس دفتها؛ فهناك قيود هيكلية من شأنها أن تستبعد هذه الاحتمالية تمامًا، وهذا الواقع لا يمتد ليشمل فقط تدني فرص ساندز بالفوز بهذه الانتخابات الرئاسية، بل يحكم أيضًا ما يستطيع ساندرز أن يقوم به من منصب الرئاسة في إمبراطورية مولعة بالحرب ومحرضة لتأجيج الحروب في شتى أنحاء العالم.

مهما كان الأمر، فإن التصويت لساندرز هو تصويت يكشف تاريخ حركة الصراعات النبيلة الجارية داخل الولايات المتحدة، والتي ظهرت في شكل حركة الحقوق المدنية ومناهضة الحرب في ستينيات القرن المنصرم، مسيرات مناهضة حرب العراق خلال العقد المنصرم، وحركة احتلوا في بداية هذا العقد، وتظهر الآن في شكل الحشد لتأييد ساندرز في الانتخابات الرئاسية لعام 2016،  كما التفت تاريخيًا حول رالف نادر في العديد من الانتخابات الأخرى من هذا القبيل.

هذه الحركة ضعيفة، ولم تحقق أي زخم شعبي كبير، والحملة الرئاسية التي استمرت لثماني سنوات من رئاسة أوباما، فعلت كل شيء لتدميرها، ولكنها خيط أمل يمتلك تأثيرًا تحفيزيًا متواضعًا على باقي أشكال السياسة الأميركية.

الصهيونيون الليبراليون من مناهضي حركة المقاطعة، قفزوا إلى عربة هيلاري كلينتون بحجة ضعف حظوظ ساندرز، أو بحجة أن التصويت لكلينتون هو تصويت ضد الجمهوريين، وهذا الأمر يعد خيانة أساسية لتوجه هذه الحركة المجابه.

ساندرز هو شخص حقيقي وصادق لأبعد الحدود، أما كلينتون فوهمية وزائفة وفاسدة لأبعد الحدود، وساندرز هو آخر شخص حي يعارض السياسة الأميركية المهيمنة، أما كلينتون فتمثل تجسيدًا لأعمق طبقات الفساد في الشركات الكبرى الحاكمة.

في نهاية المطاف، التصويت لساندرز هو مسألة اختيار شخصي عميقة بالنسبة لي؛ فهذه المناسبة ستكون أول وآخر مناسبة في حياتي يمكنني خلالها أن أصوّت في الانتخابات الرئاسية، بدون خجل، ليهودي اشتراكي من أهالي نيويورك؛ لشخص يعد آخر قامة من تلك القامات المهددة بالانقراض، لشخص يتباهى بشجاعة بلهجة بروكلين، ويبدو كأستاذ جامعي متقاعد؛ لشخص، كأطفالي الأربعة، من الجيل الأول لذرية المهاجرين، ولكنه رغم ذلك، يكبرنني سنًا!

المصدر : الجزيرة الانكليزية ، ترجمة نون بوست 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى