تقول المعلومات إن لقاء ميونيخ الذي سيتم غداً الخميس سيطالب بوقف إطلاق النار في سورية. هذا خبر جيد للسوريين الذين عانوا الأمرّين من إطلاق النار عليهم، على يد النظام الأسدي أولاً، ثم بواسطة جيوش إيران ومؤسساتها العسكرية المتنوعة، ومرتزقتها، وأخيراً جيش روسيا الجبار الذي يمتلك تقنيات قتل وتدمير شديدة التطور، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بفخر واعتزاز قبل أسبوعين أنه” لا مثيل لها في أي جيش آخر من جيوش العالم”.
من المهم جداً وقف إطلاق النار في سورية الذي يتوزع، وفقاً لمتابعاتي على النحو التالي: 60% للجيش الروسي، 20% لجيش ملالي إيران، 10% لجيش الأسد وحليفته الاستراتيجية داعش، و10% للجيش الحر والفصائل. بما أن القسم الأكبر من إطلاق النار يأتي من الجانب المعادي للشعب السوري، ويعادل 90% من النار التي تطلق ضد سورية وفيها، فإن وقف إطلاق النار لن يكون حقيقياً وجدياً، إن بدأ بالجيش الحر والفصائل، أو اقتصر عليهما. وسيكون، في المقابل، ملموساً وحقيقياً، إن طبقته، والتزمت به القوى الغازية والمعادية لشعب سورية، ليس فقط لأنها التي بدأت إطلاق النار، بشهادات مؤسساتٍ دوليةٍ ومحايدةٍ لا حصر لعددها، وإنما أيضاً لأن قتل السوريات والسوريين، وتدمير وطنهم، يتم بصورةٍ تكاد تكون حصريةً على يديها.
ومن يراقب مجريات الأسبوعين الماضيين، التاليين للقاء جنيف، ستكون لديه أدلة كافية على صحة ما أقول. وواقعة أن من بدأوا بإطلاق قدر جحيمي من النار على الآمنين، في قراهم وبلداتهم شمال حلب وفي كل مكان آخر من سورية، لا بد أن يوقفوا نيرانهم قبل أي تفاوض، لأنها لعبت دوراً كبيراً في تقويض جنيف والحل السياسي، خصوصاً بعد إعلان وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، أن جيش بلاده لن يوقف إطلاق النار في سورية، قبل القضاء التام على الإرهابيين، وتعريف وزير خارجية النظام، وليد المعلم، الإرهابي بأنه “كل من يحمل السلاح ضد الدولة”، أي مقاتل الجيش الحر الذي ذهب ممثلوه إلى جنيف، بحثاً عن حل سياسي، فأبلغهم لافروف، بجلافته المعهودة، أن السلام معهم مستحيل، وأنه لن يوقف عملياته القتالية ضدهم إلى أن يقضي عليهم. طالب قرار مجلس الأمن 2254 بوقف إطلاق النار، فقال الروس إن إطلاق الحرب هي سبيلهم إلى الحل السياسي، وصبوا على الشعب السوري طوفان نارٍ يشبه الجحيم، كان معظم ضحاياه، كالعادة، من المدنيين الذين يمنع القانون الدولي، وأي قانون وطني، استهدافهم، لأنهم ليسوا جهةً محاربةً أو مسلحة، فإن استهدفوا عد ذلك جريمة حرب وجريمةً ضد الإنسانية يعاقب مرتكبها، عوض أن يسكت المجتمع الدولي عن جرائمه، وتتجاهلها الأمم المتحدة ومجلس أمنها، مثلما نرى في الحال السورية.
نعم لوقف إطلاق النار، على أن يطبقه فوراً من بادر إلى إطلاق النار على مواطني”ه” المسالمين، المطالبين بالحرية، وقتل منهم نحو ثلاثين ألفاً، قبل أن يحمل أي منهم السلاح دفاعاً عن نفسه. ونعم لوقف إطلاق النار، إن التزم به غزاة سورية ومرتزقتهم الذين يعلنون رفضهم له قبل القضاء على الجيش الحر، ولا ضمانة لتقيّدهم به، غير خروجهم من بلادنا الذي وحده يعيد الأمن والسلام إليها، ويضع حداً لحروب الآخرين وصراعاتهم فيها، ويرد إلى ثورتها طابعها الداخلي/ الوطني كثورة حرية، حولتها صراعات القوى الأجنبية وتناقضاتها إلى تصفيات حسابات ومعارك خارجيةٍ، لا علاقة للسوريين بها، وليس من مصلحتهم الانخراط فيها.
هناك، في ما يتعلق بوقف إطلاق النار، وجهتا نظر متناقضتان: واحدة تراه منفصلاً عن الحل السياسي، وأخرى تراه بدلالته، وتعتبره جزءاً تكوينياً منه، لا يجوز فصله عنه، أو إفضاؤه إلى نتائج مناقضة له. يتبنى أعداء الشعب السوري وغزاته التصور الأول، على الرغم من أن القرار 2254 يربط تنفيذ وقف إطلاق النار بتقدم الحل السياسي، ونتبنى نحن، أهل الثورة والحل، التصور الثاني الذي يضعه في خدمة حل سياسي سلمي نسعى إليه، ونريد أن تسهم فيه جميع الأطراف السورية، بما فيها جهات من النظام، تقول وثيقة جنيف1 إن قبولها الانتقال الديمقراطي يجعلها شريكاً في النظام القادم، بينما يعلن أعداؤنا أن القضاء علينا هو الحل، وأنهم سيستمرون في إطلاق النار، لأنه هو، وليس التفاوض، سبيلهم إلى بلوغ هدفهم، وهو القضاء على الشعب والثورة.
ليس وقف إطلاق النار مطلباً يجوز أن تتساوى فيه قوات الثورة مع جيوش غزاة سورية، من غير الجائز أيضاً انطلاق المساعي الدولية من فكرة خاطئة، تعتقد أن للطرفين المسؤولية نفسها تجاه وقف إطلاق النار، ليس فقط بسبب التفاوت بين طبيعة الغزاة وأهدافهم ودورهم وطبيعة الجيش الحر وأهدافه، وإنما كذلك بسبب محدودية إطلاق نار المدافعين عن الثورة، بالمقارنة مع نار الغزاة الروس والإيرانيين وتابعهم الأسد.
ليوقف قتلة الشعب السوري إطلاق النار، فتتوقف الحرب في سورية.
المصدر : العربي الجديد