منذ أن أعلنت المملكة العربية السعودية عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا لمحاربة تنظيم داعش وألقت الكرة في الملعب الأميركي، بعد أن أكدت قرابة سنة ونصف السنة من العمليات الجوية ضد التنظيم، والذي تنفذه طائرات التحالف الدولي بزعامة واشنطن، أن داعش لم يتبدد، أخذ الحديث عن “المعضلة السورية” ينحو منحى جديدا، ولعل الرياض أرادت وضع الأمور في نصابها الصحيح بعد أن خبرت على مدى قرابة عام جدوى العمليات الحربية في اليمن، والنتائج المرضية التي حققتها في مكافحة المتمردين الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح وقد حجمتهم وأعادت الأمور إلى نصابها تقريبا، وهي مستمرة بدعمها لقوات الشرعية وصولا إلى إنهاء حالة الفوضى التي يعيشها اليمن.
وبالنظر إلى الحالة السورية، فإن الأرض باتت خالية تقريبا من أي قوات قادرة على مواجهة تنظيم داعش، بعد أن أعلنت موسكو حربا على قوات المعارضة وكافة فصائل الثوار، في مقابل تقدم لقوات النظام وللميليشيات الإيرانية التي تساندها، وقد بدأت الكفة تميل في الكثير من المناطق لصالح فريقين فقط، إما قوات النظام وإما تنظيم داعش، وهذا الوضع في حال استمراره سيؤدي إلى إنهاء كتائب الثوار، وسيحوّل الشعب السوري برمته إلى لقمة سائغة بين قوى متطرفة وطائفية لا قبل له على مقاومتها، لكنه بكل تأكيد لن يعني استقرار الأوضاع ولو جزئيا، بل سيعني مزيدا من القتل والتهجير، واستطرادا قد نكون مقبلين على مرحلة انتقام تنفذها قوات النظام وتنظيم داعش على حد سواء ضد أولئك الذين رفضوا الانضواء تحت سلطتيهما.
استفز الاقتراح السعودي رعاة النظام السوري والأوصياء عليه، المتدخلين والمتورطين في المقتلة السورية سواء في موسكو أو في طهران، ففي حين اعتبرت موسكو أن الرياض غير جادة في مقترحها، ذهبت طهران إلى أبعد من ذلك وهددت القوات السعودية بالهزيمة في حال تدخلها. على الرغم من أن الرياض أكدت أكثر من مرة أن ذهابها إلى سوريا هو لمحاربة تنظيم داعش الذي تزعم كل من موسكو وطهران أنهما موجودتان في سوريا لقتاله، وهي لم تقل أبدا إنها ذاهبة لحماية المراقد المقدسة كما لا تنفك طهران تردد، أو للدفاع عن السنة مثلا، بل إنها تصرّ على الذهاب لمقاتلة متشددين سنّة يشكلون خطرا على مستقبل المنطقة، بالإضافة إلى أن تلك القوات البرية العربية ستكون ضمن التحالف الدولي الذي تجوب طائراته الأجواء السورية والذي تنسق موسكو معه دون أن تخفي ذلك. فما الذي يغضب موسكو وطهران إذن؟
يبدو أن وجود قوات برية بمشاركة فاعلة من دول عربية- فبعد المملكة العربية السعودية أعلنت مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة استعدادهما للمشاركة ومن المنتظر أن تعلن دول أخرى من التحالف الإسلامي الذي تقوده الرياض عن مشاركتها- يشكّل دعما وإن بشكل غير مباشر لأهالي المناطق السورية الخاضعة لسيطرة داعش، وسوف يكون كفيلا بجعل كتائب الثوار تعيد تجميع صفوفها بعد تخلصها من تهديد التنظيم الإرهابي الذي كان يشكل خنجرا في ظهرها، ما سيرجح تباعا كفة الثوار على كفة قوات النظام المتهالكة أصلا والتي حققت تقدما ملحوظا خلال الأيام الماضية بفضل الدعم الكبير الذي تتلقاه من الميليشيات الإيرانية والقصف الروسي المتواصل. وسيؤدي هذا إلى تصحيح معادلة المفاوضات التي تم تعطيلها، ويفتح الباب لحل سياسي، لا يكون النظام فيه مستقويا، بل مستعدا للتفاوض من أجل إنهاء هذه المأساة.
الاقتراح السعودي يبدو طوق نجاة يلقى لآخر ما تبقى من سوريا قبل أن يبتلعها الغول الداعشي الذي يتعرض لهزائم في العراق ولم يبق أمامه إلا سوريا.. وآن أوان قطافه فيها.
المصدر : العرب