مقالات

أمين قمورية – الكيلومترات القاتلة

كيلومترات قليلة تفصل بين وحدات حماية الشعب الكردية وبلدة اعزاز التي اعتبرتها أنقرة خطاً احمر لا يجوز اختراقه، وكيلومترات قليلة تفصل بين الجيش السوري وبوابة السلامة آخر معابر المعارضين الى تركيا، وكيلومترات قليلة لا تزال تحول دون تطويق التحالف الروسي الايراني السوري مدينة حلب الاستراتيجية التي اذا ما سقطت تبدلت خريطة التوازنات السياسية والميدانية القائمة في مجمل الصراع في سوريا وعليها.

بضعة كيلومترات من الاراضي كافية لتغيير الأمزجة والحسابات والمعادلات، ليس فقط في سوريا، انما في كل العواصم المتورطة في المستنقع السوري، وما أكثرها. الغضب التركي لا يوازيه غضب.

لا أحد يمكنه ان يؤرق السلطان مثل الاكراد، فكيف اذا ما تمكن هؤلاء من مد سيطرتهم المسلحة على طول حدوده الجنوبية ليلتحموا مع اكراد تركيا ويشكلوا مثالاً تحررياً لهم؟ يمكن أردوغان أن يتفهم دعم خصمه الروسي لهؤلاء، لكنه لن يستوعب قط تخلي حليفته واشنطن عنه لمصلحة من يعتبرهم ارهابيين اكثر من تنظيم “داعش”.

الغضب السعودي لا يقل عن مثيله التركي. الإطباق الثلاثي على حلب يعني تكريس بقاء الاسد على كرسيه في قصر المهاجرين شوطاً اضافياً، ويعني ان الدفع السعودي نحو هد النظام لن يجدي نفعاً. ضم المدينة الشمالية الى لائحة المدن الخاضعة للنظام يجعل الروسي ضيفاً دائماً على ضفاف المتوسط فحسب، بل يثبّت أيضاً الايراني حكماً ببطاقة حمراء في الملعب السوري بدل طرده من هناك كما يتمنى حكام الرياض.

تركيا تلوّح بالويل والثبور للاكراد ومن خلفهم النظام، والمملكة باتت تتحدث علناً عن تدخل بري، عنوانه الحرب على “داعش”، ومضمونه منع سقوط حلب والحد من سبحة الانهيارات الميدانية لاصدقائها المعارضين.

في حسابات الغضب السعودي والتركي، بين الخسارة الصافية لسوريا وإمكان نقل المعركة الى اراضيهما لاحقا، يبقى التدخل البرّي أقل ثمناً. لكن المعضلتين السعودية والتركية ليستا في تهديدات وليد المعلم، انما في الموقف الاميركي!

واشنطن مع من في الملعب السوري؟ هل هي مع الاكراد أم مع تركيا؟ هل هي مع السعودية أم مع ايران؟ هل هي مع بقاء الاسد أم مع رحيله؟ هل ثمة اتفاق بين لافروف وكيري كما توحي اجتماعات فيينا وجنيف أم ان حرباً باردة جديدة تدور بينهما كما صرح ميدفيديف؟ هل يتدخل حلف شمال الاطلسي الذي تقوده الى جانب شريكه التركي اذا ما انزلق الى مواجهة مع الروسي أم يقف على الحياد متفرجاً على تورّط قوتين كبيرتين لاضعافهما معاً؟ هل أفلتت الامور من يدها وتركت للقوى الاقليمية تدبير حصصها بنفسها؟ الكيلومترات القليلة القاتلة في شمال سوريا لن تحدد مسار الصراع في البلاد فحسب، بل ربما كانت البوصلة الى أي منقلب سينقلب الشرق الاوسط.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى