التطوّر الأبرز المتوقّع قريبا في سوريا، استنادا إلى متابعين عرب لأوضاعها بعضهم على صلة بأطراف الحرب الدائرة فيها، سيكون استعادة نظام الأسد السيطرة على حلب. والهدف التالي له سيكون استعادة محافظة إدلب والوصول إلى الحدود التركية. وذلك يقضي مبدئيّا على آمال أنقرة في التدخّل العسكري المباشر في الصراع السوري وفي إقامة منطقة آمنة. علما أن ذلك لا يقضي على احتمالات صدامها العسكري خصوصا إذا نجح الأكراد السوريّين في ربط مناطقهم الثلاثة جغرافيا وفي إقامة إقليم يتمتّع بالحكم الذاتي.
ذلك أن أمرا من هذا النوع تعتبره تركيا أردوغان انتصارا لعدوّها حزب العمال الكردستاني “الانفصالي” المسجون زعيمه، وحافزا لا بد أن يدفع أكرادها إلى الاستشراس في القتال للحصول على وضعية مشابهة وإلى الإفادة من تعاطف دولي ملموس معهم.
ومن العوامل التي قد تدرسها أنقرة قبل أن تقرّر التدخّل سواء عند بدأ حملة استعادة إدلب، وهي غير مرجّحة حتى الآن، أو عند سيطرة الأكراد على مناطقهم السورية، أو بعد استعادة حلب، موقف إيران من كل هذه الاحتمالات. فهذه الدولة الجديّة والقويّة موجودة مباشرة وبالواسطة في سوريا وكان دورها حاسما في إفشال الثورة على الأسد قبل تحوّلها تنظيمات متشدّدة متناحرة.
هذه الدولة علاقتها جيدة مع الأكراد عموما ولا سيما الذين ترفض تركيا أي دور لهم، وهي تموّل مجموعات كبيرة وكثيرة منهم، والتعامل بينها وبينهم على أفضل ما يكون. فهل تقبل إيران هذه أن تنتقل علاقاتها مع تركيا من اختلاف في المواقف من قضايا إقليمية، وتعاون اقتصادي وتجاري، وقرار بعدم الاشتباك العسكري المباشر وبالعمل من أجل التشارك عندما تهدأ المنطقة ويسود فيها نظام جديد، هل تقبل تعريض جارتها التركية لخطر الأكراد؟
ومن العوامل الأخرى المؤثّرة بل الأكثر تأثيرا في موقف أنقرة هو موقف حليفتها أميركا زعيمة حلف شمال الأطلسي الذي يضمّها وأوروبا. فهل تقبل أميركا والأطلسي أن “تتبهدل” تركيا على رغم أخطاء زعيمها أردوغان، سواء على أيدي الإيرانيين أو الروس أو الاثنين معا، أو تتدخّل لمنع ذلك على رغم خطر تحوّل الصراع أميركيا – روسيا أو أميركيا – إيرانيا مباشرا؟ أم تترك الوضع يتفاعل بحيث يتسبّب باشتباك تركي – روسي في سوريا ولاحقا إسلامي – سوري (أسد) – روسي – فتغرق المنطقة في حرب مدمّرة تستنزف دولها كلها الكبيرة والصغيرة وتضعفها كلّها؟ هذه الأسئلة كلّها لا تزال مجهولة الأجوبة حتى الآن، وفي انتظار معرفة بعضها أو كلّها يمكن التأكيد، ودائما استنادا إلى المتابعين العرب إيّاهم، أن لا تسوية الآن للأزمة السورية الأكثر اشتعالا وخطورة من غيرها في المنطقة، لا مع جنيف ولا مع فيينا أيّا تكن أرقام الاجتماعات التي ستعقد فيها.
وقد تأكّد ذلك بعدما فرط الهجوم الروسي – الإيراني – السوري المشترك الأخير مؤتمر جنيف 3، ويعني ذلك أن الاجتماعات ستتوقّف أو أنّها ستنعقد وتفشل. والأسباب كثيرة منها أن قسما من المدعوّين إلى التفاوض لا يمثّلون أحدا أو كثيرا سواء كانوا من جماعة النظام أو المعارضة. ومنها أيضا أن بعض ملامح التسوية التي يجري العمل عليها يقضي ببقاء الأسد حتى انتهاء ولايته الرئاسيّة في 2017 مع إمكان ترشّحه لولايتين. ومنها ثالثا التنظيمات المعارضة المقاتلة المتطرّفة في نظر البعض والمعتدلة في نظر البعض الآخر مثل “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”. وسبب الخلاف حولها هو فكرة ضم “المقاتلين المعتدلين” إلى الجيش النظامي في أي تسوية يتّفق عليها.
ما هي سوريا المفيدة التي يُقال أن روسيا وإيران تسعيان إلى إقامتها في سوريا والتي ستبقى محكومة من أقلية أو أقليات متحالفة معهما؟
سوريا المفيدة هي التي تضم وفقا للمتابعين العرب أنفسهم العاصمة دمشق وريفها ومدن حمص وحماه وحلب وإدلب والشاطئ السوري كله. أمّا سوريا غير المفيدة فستُترك لغالبية الشعب السوري أي السنّة. وهي تُسمّى كذلك لأنّها مكوّنة من مناطق ضعيفة الثروات الطبيعيّة حتى الآن وقليلة الديموغرافيا ولا منفذ بحريا لها. علما أن الرئيس الأسد قال في تصريح أخير إنه عازم على استعادة كل سوريا لكن ذلك يحتاج إلى زمن طويل.
هل يمكن اعتبار ذلك تقسيما لسوريا؟ هل هذه الصيغة غير المتكافئة قابلة للحياة؟
المصدر : النهار