يوم واحد فصل بين خطابين لبنانيين، الأول لسعد الحريري، زعيم تيار المستقبل في الذكرى الـ11 لاغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، والثاني خطاب حسن نصر الله أمين عام حزب الله.
وثمة نقاط مهمة كثيرة في خطاب الحريري الذي ألقاه في الذكرى الأليمة التي شكلت منعطفا مؤسفا في تاريخ لبنان الحديث، كان خطاب الحريري صريحا للأفرقاء، حمل نقاطا كثيرة عبرت عن هواجس مهمة حول الوضع اللبناني، ومساعي إقصائه عن محيطه العربي والخليجي، أو ربط مصيره بقرارات المرشد الإيراني، وشغور قصر الرئاسة، امتلأ خطاب الحريري بانتقادات لاذعة لحزب الله، دون تسميته، مفادها أن لا زمن الوصاية السوري ولا الإيراني استطاع أن يفبرك أو يصنع أشخاصا أكبر من لبنان، وأن الرئاسة اللبنانية أولى ببذل الجهد من الرئاسة السورية أو العراقية أو اليمنية، وأولى من حصار مضايا والمدن السورية.
أما خطاب نصر الله، فقد كانت التوقعات بأن يحمل مضمونه ردا على خطاب الحريري أو التطرق إلى محتوى طرحه، إلا أنه لم يتطرق إلى شيء منه، بل جاء خطابا متناقضا أغفل الإشارة إلى الداخل اللبناني بملفاته العالقة ومنصبه الرئاسي الشاغر منذ 21 شهرا، وكأن الرسالة هي مقاربة الأزمات من دائرة أوسع من التفاصيل الداخلية باعتبار الداخلية تفاصيل ثانوية، أراد نصر الله أن يقول مرة أخرى إن الوضع السوري أولا وإن أي حلحلة في قصر بعبدا لا بد أن تمر من قصر المهاجرين في سوريا.
لم يبد نصر الله راغبا برد حاسم في خطابه، بل ترك مساحة الرد شاغرة، وبدلا من ذلك اختار الهرب بالتلويح بالعدو الإسرائيلي في اللحظة التي يذكر فيها بامتلاك الحزب سلاح الردع الاستراتيجي الأشبه بالنووي في إشارة إلى حاويات الأمونيا في حيفا، والإشارة إلى أن إسقاط الأسد رغبة إسرائيلية وأن الوقوف مع نظام الأسد هو حماية للبنان.
ولا بد أن حسن نصر الله كان يدرك تماما أن الحال عكس ما يقوله، إذ مع المعطيات الجديدة، يدرك نصر الله جيدا أن مرحلة إقليمية قادمة صعبة ومواجهات أصعب في طريقه، هو الذي دعا إلى تسوية سياسية لمصلحة جميع المشاركين في الأزمة، لا سيما وتزامن الخطاب ومناورات رعد الشمال، وتصريح السعودية بنيتها، بتحالف جديد، التدخل البري في سوريا.
كما يدرك نصر الله أن أي تقدم ميداني عسكري لن يقود إلى النصر ولن يحسم الأزمة السورية، فهو يعي تماما أن ورقة النظام السوري ورقة خاسرة منتهية الصلاحية، وهذا يعني أن الحرب المستمرة هي حرب استنزاف محتومة، الأمر الذي سيرهق طاقة حزب الله وأمينه، وهذا بطبيعة الحال لمصلحة إسرائيل، بعكس ما قاله في خطابه، ولا سيما أن مؤشرات قيام حرب جديدة بين حزب الله وإسرائيل في الوقت الحالي متدنية مع انشغال الحزب وولوغه في مستنقع سوريا والأسد ودماء السوريين.
المصدر : الاقتصادية