من الضروري أن يقوم أساتذة العلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعات الأردنية، بتدريس المقابلة المهمة المطوّلة التي شرح فيها الإعلامي الأميركي اللامع جيفري غولدبيرغ عقيدة الرئيس باراك أوباما في السياسة الخارجية، ونُشرت في مجلة “ذي أتلانتيك”. فهي رحلة معمّقة في النظريات التي تحكم العلاقات الدولية والمدارس المختلفة فيها، بالإضافة إلى المقاربات الغربية تجاه المنطقة العربية، ودراسات مقارنة في السياسة الأميركية.
المقابلة بمثابة وثيقة على درجة كبيرة من الأهمية؛ ليس فقط لشرح التحوّلات العميقة في السياسة الخارجية الأميركية، بل لفهم المتغيرات الكبرى التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، والتي عبّر عنها الإعلامي من خلال ولوجه إلى عمق المناظرات والنقاشات داخل دوائر القرار والتفكير الأميركيين، وداخل فريق المستشارين لدى الرئيس الأميركي، أوباما، والانقسامات التي بدأت تطفو على السطح بصورة سافرة منذ أن مسح الرئيس الخطّ الأحمر الذي رسمه بنفسه للرئيس السوري بشّار الأسد، بتحذيره من استخدام “الأسلحة الكيماوية”.
ويعتبر غولدبيرغ أنّ 30 آب (أغسطس) 2013 سيُسجل ليس فقط كيوم لتخليص إسرائيل من خطر السلاح الكيماوي السوري، وحماية حلفاء أميركا، بل هو أيضا يوم خروج الشرق الأوسط من هيمنة الإدارة الأميركية. وربما هذه النتيجة يسجّلها الاستراتيجي الأميركي المعروف مارتن إنديك، في مقاله -الذي يعقّب فيه على مقال غولدبيرغ (في مجلة ذي أتلانتيك نفسها)- إذ يعتبر (إنديك) أنّ الرئيس أوباما أنهى قرابة خمسة عقود من دور أميركا بوصفها القوة المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط.
المقابلة كرّست تماما ما كان يتم تسريبه حول رؤية إدارة الرئيس أوباما لمنطقة الشرق الأوسط؛ بأنّها قيد الانهيار والتفكك.
وقد تحولت أولويات الإدارة الأميركية إلى آسيا، حيث القوى الصاعدة؛ الصين والهند، وأخذت أهمية الشرق الأوسط بوصفه مصدّرا للنفط، تقل بعد اكتشافات النفط في الولايات المتحدة الأميركية، وبدلا من ذلك أصبحت النظرة إليه أنّه المصدر الرئيس للإرهاب؛ “داعش” و”القاعدة”.
المقابلة عزّزت القناعة بالتحولات العميقة التي حدثت، وما تزال، في علاقة الولايات المتحدة الأميركية بحلفائها السُنّة العرب، وتحميلهم مسؤولية الأزمات والمشكلات التي تحدث في المنطقة، ورفض أوباما القبول بالدعاية الرسمية العربية بأنّ ذلك كله إما نتاج إيران أو إسرائيل، بل هو وفقا لما نقله الكاتب عن الرئيس الأميركي ناجم باختصار عن سوء الإدارة السياسية العربية.
النظرة إلى السعودية أصبحت أكثر وضوحا، ولم يعد الرئيس الذي يهمّ بمغادرة البيت الأبيض، يحتاج إلى ارتداء قناع دبلوماسي ومجامل في مواقفه؛ فهو يحمّل السعودية جزءا كبيرا من مسؤولية صعود “القاعدة” والتطرف الديني، ليس فقط في المنطقة، بل حتى في إندونيسيا.
بعض الأصدقاء السعوديين، ومعهم مثقفون عرب، يراهنون على الانتخابات الأميركية المقبلة؛ بأنّها ستؤدي إلى الخروج من استراتيجية “القيادة من الخلف”، التي اجترحتها الإدارة الحالية، والتراجع عن الموقف السلبي من العرب، والمرحّب بإيران، فهل هو رهان صائب أو دقيق؟
لا أجازف أبدا بالقول إنّه رهان ليس خاسرا فقط، بل ساذج للغاية. ففضلا عن أنّ هناك محددات معروفة للسياسة الخارجية الأميركية، فإنّ موقف أوباما من السعودية ومن الحلفاء السُنّة العرب، ليس نتاج قناعاته الشخصية فقط، بل هو كرة متدحرجة متراكمة بدأت منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عندما حدث التحول الكبير من السعودية، وأخذت المراجعات الأميركية تحمّلها المسؤولية الكبرى عن تصدير الإرهاب، ومعها الدول العربية المشرقية. ومن هنا انطلقت مبادرة الشراكة الأوسطية المعروفة التي أعلن عنها وزير الخارجية الأميركي حينها كولن باول، قبل أن ينتكس المشروع الأميركي في العراق، ثم في المنطقة، ما انعكس على مواقف الإدارة الجديدة من أي تدخل عسكري جديد!
المصدر : الغد الأردنية