المسؤول الأمني السوري الذي يدير «داعش»، أو على الأقل جناحاً رئيساً فيه، ناجح في مهمته ويستحق ربما ترقية ومكافأة. فهو تمكن دوماً من اختيار التوقيت الملائم للتفجيرات والاعتداءات الدموية التي يشنها التنظيم، وخصوصاً في أوروبا، لتشكل رداً مباشراً على مواقف وإجراءات لا ترضي تحالف «الممانعة» الذي باتت روسيا عضواً فاعلاً فيه، أو لتخفف الضغوط عن نظام بشار الأسد.
وهذا الأسلوب نفسه يستخدمه التنظيم في «الداخل الإسلامي»، وخصوصاً في سورية، سواء ضد المدنيين أو فصائل المعارضة المعتدلة، في مسار لا يستهدف إلا نادراً القوات النظامية التي تتولى تأمين حاجات «داعش» المالية والتسلحية، عبر انسحابات متكررة تقوم بها، مخلية مواقعها، لا سيما القريبة من حقول النفط، للتنظيم المتطرف.
وكان آخر «نجاحات» ضابط الاستخبارات السوري المسؤول عن ملف «دولة الخلافة»، الاعتداءات التي شهدتها العاصمة البلجيكية الثلثاء، بعد تلك التي طاولت باريس قبل نحو خمسة أشهر واستهدفت «تأديب» فرنسا بسبب إصرارها على رحيل الأسد، ودفعها إلى تغيير أولويات سياستها الخارجية، وهو ما حصل تقريباً.
فمع وصول مؤتمر «جنيف 3» المنعقد حالياً إلى ملامسة «عقدة الأسد»، وشبه الإجماع الإقليمي والدولي على ضرورة بدء المرحلة الانتقالية التي تعني البت في مصير الرئيس السوري، وتصاعد الضغوط الدولية على موسكو لتواصل التزامها مبدأ التوصل الى تسوية معقولة تشمل تنازلات متبادلة، والمقاربة الناضجة والجدية التي تطبع مواقف وفد المعارضة الى المفاوضات، وضعت كلها النظام السوري في موقف حرج جعله يطلب تأجيل المؤتمر، بل يعتبره بحكم المنتهي. وكان لا بد من ان يحصل «أمر ما» يحرف الأنظار والأضواء عن الاستحقاق المقترب، ويعزز إدعاء النظام باعتبار نفسه «شريكاً» في مكافحة الإرهاب لا بد من الحفاظ عليه والتعاون معه.
وقعت الاعتداءات ايضاً عشية وصول وزير الخارجية الأميركي كيري إلى موسكو في زيارة هدفها إقناع روسيا بممارسة مزيد من الضغط على حليفها لالتزام مبادئ بيان جنيف ومواصلة المفاوضات، لتزكّي الموقف الروسي القائل بـ «أولوية محاربة الإرهاب» بدلاً من الغرق في تفاصيل ترتيب البيت السوري.
وفي رأي الضابط السوري، كان لا بد من «معاقبة» أوروبا ورمزها بروكسيل، مقر الاتحاد، بسبب اتفاقها مع تركيا الذي نزع مبدئياً فتيل أخطر أزمة هدّدت الوحدة الأوروبية، وأجهض محاولات روسيا للمقايضة بين ملف اللاجئين السوريين وبين العقوبات عليها نتيجة تدخلها في أوكرانيا.
المعلومات التي يملكها «داعش» عن الثغرات الأمنية في بلجيكا تؤكد أن مشغّليه يحصلون عليها من أجهزة منظمة ومحترفة تدرك النقص الفادح في عمل الاستخبارات البلجيكية التي لا يتجاوز عدد عناصرها 600 شخص، وتعلم أنه ليس بين الأقاليم الثلاثة في البلاد تنسيق أمني كبير، ولا بينها وبين الدول الأوروبية الأخرى، ما يجعلها بيئة مثالية لاحتضان خلاياه.
وفي حال لجأت السلطات البلجيكية، مثلما هو متوقع، إلى حملة أمنية واسعة تطاول مناطق في بروكسيل ذات غالبية سكانية من أصول عربية، فسيسهل ذلك مهمة التنظيم في تجنيد المزيد من «البلجيكيين» الذين يشكلون العدد الأكبر بين مقاتلي «داعش» في سورية والعراق.
لكن أوروبا التي ارتضت حصر علاقتها بالأزمة السورية بمسألة وقف تدفق اللاجئين إلى أراضيها، متذرعة بأن الملف السياسي بات في عهدة الثنائي الأميركي – الروسي، إنما تعالج عبر تشديد إجراءاتها الأمنية، على رغم ضرورته، نتائج وجود «داعش» وليس أسبابه، متخلية عن دورها في مواجهة من يقف وراءه ومن يوفر له وسائل توجيه ضرباته.
المصدر : الحياة