مقالات

براء موسى – المعارضة السوريّة والبحث عن كاريزما

تفترض إحدى الروايات أنّ ملاكاً كان مسؤولاً عن قبض الأرواح ثمّ إعادة منحها للمواليد الجدد، وقد تعرّض هذا الملاك لمأزقٍ ذات مرّة، إذ بينما خلت من الذين سيحصد أرواحهم، كان لديه العديد من المواليد في حاجة إلى روح، فلجأ إلى أحد المُحتضرين ممّن كانت أرواحهم ستُقبض بعد وقت قصير، ليستعطفه بأن يَقبض روحه قبيل ساعات من أجَله.

لكن ذاك المُحتضر اشترط الاطلاع على مصير ذاك الذي ستؤول إليه روحه، فعرض الملاك عليه العديد من مصائر مواليده توّاً، من دون أن ينال إعجاب محدّثه بأيٍّ منهم، فأغراه الملاك بأن يضع روحه في مولود سيصير زعيماً، ما أثار حماسة الميت بعد وقت قصير، فقال: بالتأكيد هذا المولود ستحيط به هالة من نور، والزعامة منقوشة على جبينه، وستظهر ملامح عبقريته وهو طفل. لكن الملاك نفى ذلك، وتحدث عن طفل تعتريه بضع علامات من البلاهة، فقال الرجل المُحتضر:

– إذاً، فإنّ النباهة ستبدو عليه في مراحل الدراسة في ما بعد.

– بالعكس تماماً، فهو لطالما تأخّر في دراسته، ورسب في بعض صفوفها، بل وَسمه أصدقاؤه أحياناً بالغباء.

– إذاً، ستبدو عليه علامات الزعامة حين بلوغه ودخوله المرحلة الجامعية، فيغدو قائداً طلابيّاً شجاعاً ومُلهماً، يُلهب الرفاق حماسة.

– أبداً، فكثيراً ما سيحتقره زملاؤه لفرط جُبنه ووضاعته.

– لا بدّ أن عبقريته ستنبثق في الحياة العامة بعد الدراسة، فتتفتّق شهامته ونبله وشجاعته، وكلّ الصفات العظيمة التي تليق بزعيم.

– لا شيء مما تذكره إطلاقاً، والكثير من عكس ذلك هو الصحيح.

فيستشيط الرجل اندهاشاً وحيرة، ويقول: إذاً بالله عليك، كيف سيصير هذا الفاشل الكريه زعيماً؟!

فيُجيب الملاك ببرود: بعد أن يصير زعيماً، سيكون كلّ ما ذكرتَه من هذه الصفات الفريدة صحيحاً، بل أكثر.

المعارضة السياسية السورية طوال سنوات خمس من عمر الثورة، فشلت في تقديم قبطان واحد جدير بإمساك تلك الدفّة المستعصية، وذلك يأتي في إطار استعصائها العام، حيث لا يُمكن أيّ قبطان مهما كان بارعاً إدارة تلك الدفّة في سفينة مليئة بالثقوب والهشاشة. وهي كذلك تعجّ بعدد غير قليل من القراصنة الذين لا يهمّهم الوصول إلى البرّ طالما أنّ «رزقتهم» في ذلك التيه من البحر.

المشكلة أعصى من وطنيّة كثر من الأفراد، المشكلة هي بالضبط: أن هذه المعارضة لا تجيد العمل الجماعي كفريق، بل لم تحاول كسب الوقت في محاولة تعلّم العمل كفريق، وبدل أن يكون لهذا «الفريق الذي يلعب كأمرٍ واقع» قائد يقف في الواجهة لتحمّل المسؤولية الجسيمة كما يتطلّب هذا الشكل، حرصت هذه المعارضة كلّ الحرص على إفشال أيّ بادرة لإنجاح رئيس واحد ممن أنتجتهم.

في المجلس الوطني السوري «الأوّل»، سُنّ تشريعٌ حصَر مدّة «القبطنة» في ثلاثة أشهر، والتجديد لمرّة واحدة، مُزاودين بذلك على أعتى الديموقراطيات المُستقرة، وإذا كان النازع في ذاك الطرح نابعاً من تلك العقدة السورية في احتكار المنصب، فإنّ قِصَر النظر في امتداد الثورة، كما حصل بالفعل، هو النازع الثاني. لكنّ الأمر لم ينحصر في هذين السببين الساذجين لمعارضة ناشئة وجدت نفسها فجأة في موقع لا تكاد تعرف عنه شيئاً، وإنّما الأدهى كان في انكشاف النوازع التكالبيّة على مداورة المنصب بالتواتر، وكذلك متلازمة الحسد الدفين من نجاح «الآخر».

ثمّ استمرت تلك السذاجة في الائتلاف الوطني للأسباب ذاتها وبالأدوات ذاتها سوى بتعديل صغير في مدّة «الولاية»، حيث أصبحت ستة شهور، واستمرّ المنهج «الطفولي» نفسه في شكل عام.

إذا كانت صناعة الزعماء، كما النجوم في هوليوود وغيرها، سِمَة العصر، فإننا بشهادة العالم، وبإرادة كاملة من قِواه الدولية، خارج هذا العصر، وعلينا فقط أن ندع الرجل المناسب يمرّ… يَمُرّ فحسب.

هل هذا كثير، أيّها السادة، على ثورتنا؟!.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى