مقالات

القدس العربي – مفارقات التدخل الغربي بين ليبيا وسوريا

ضربت طبول التدخل الغربيّ عدّة مرّات في ليبيا مرّات عديدة في الآونة الأخيرة، وكان آخر التصريحات من وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أمس الأحد، والذي قال إنه «لا يمكنه استبعاد إرسال قوات إلى ليبيا»، والذي سبقته تصريحات عديدة إيطالية وفرنسية.

الواضح أن الاتحاد الأوروبي يتأهّب لتدخّل برّي وأن ما أخّره حتى الآن هو توفير الغطاء الشرعيّ له عبر طلب حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السرّاج، والتي ما تزال تنتظر إقرارها من قبل مجلس النواب المعترف به دولياً والموجود في طبرق، الذي ينتظر بدوره طريقة للإفلات من سلطان الفريق خليفة حفتر الذي يمنع، عمليّاً، نواب المجلس من ذلك بطرق شتى.

الحماس الغربيّ للتدخّل يرتبط بعاملين، الأول هو الهوس الأوروبي بمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، والثاني هو الرغبة في وقف موجات اللاجئين إلى أوروبا.

العنصران الأخيران موجودان بأحجام أكبر بكثير في سوريا، بسبب التفتّت الكبير للنسيج الاجتماعي والسياسيّ والحروب الطاحنة التي تدور هناك، بل إنّهما، إلى حد كبير، سببان فاعلان ومؤثران في خلق وجود لتنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا وفي مدّ موجات اللاجئين بأعداد كبيرة من المشرق العربي.

لكن على عكس ليبيا، التي سبق لها أن شهدت تدخّلا غربيّاً ساهم في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، فقد كان هناك إصرار أمريكي، ومنذ بداية الثورة السورية، على عدم التدخّل الغربيّ أو العربيّ إن في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، أو في دعم شرعيّة حكومة معارضة، أو حتى في توفير مناطق آمنة للسوريين تحميهم قصف النظام، الذي تجاوز كل الخطوط الحمراء الدولية المعروفة، بما فيها استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه.

وكان تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس الأحد أنه «سيكون من الخطأ» إرسال قوات برية أمريكية أو أي قوى غربية أخرى إلى سوريا لإسقاط نظام بشار الأسد مجرّد تكرار مملّ لسياسته المستمرة حول سوريا، في الوقت الذي أكد أن قوات بلاده ستواصل غاراتها على مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية»، وقد صار معلوماً أن التدخّل الأمريكي ضد التنظيم لا يقتصر على الغارات الجويّة فهناك جنود أمريكيون في سوريا والعراق يقومون بعمليات عسكرية برّية خاصة من حين لآخر.

التصريحان الأمريكي والبريطاني يظهران تناقضاً كبيراً في التعامل مع الموضوعين السوري والليبي منطوقه (رغم التعرّجات العديدة للمسألة خلال السنوات الخمس الماضية) هو الحفاظ على النظام السوريّ ومنع سقوطه، وهذا، باختصار، جوهر المسألة، وهي التي تفسّر منع أي طريقة لنشوء حكومة معارضة حقيقية، أو تأمين غطاء غربي لمناطق آمنة، أو حظر الطيران السوري، وانتهاء بـ»تركيز» الغرب على «الدولة الإسلامية» لأنه لا يريد، بصراحة، معالجة أسباب نشوء هذا التنظيم لأن ذلك سيكشف العلاقة العضويّة المعقّدة بين الديمقراطيات الليبرالية وبين الأنظمة العربية المستبدة.

سقط القذافي، بهذا المعنى، «فرق عملة»، ونتيجة «سوء تفاهم»، بين نظام تهريج استبدادي لم يستطع أن يسوّق طغيانه للمجتمع الدولي، فأصبح أضحوكة الإعلام والسياسة السوداء (بما في ذلك شراؤه وتسليمه لمعدات الإرهاب النووي وغير النووي)، ونظام فاق الآخر إجراماً بمراحل ضوئيّة لكنّه قدّم سرديّات الغرب المفضلة حول قتال «الإرهاب الإسلامي»، و»حماية الأقلّيات»، و»الرئيس الذي درس في الغرب»، والقاتل الأنيق الذي لا يقتل غير شعبه، حتى لو فاضت الملايين من مهجريه إلى أوروبا، ولذلك تجنّدت للدفاع عنه، إضافة لروسيا وإيران وكوريا الشمالية وبعض دول أمريكا اللاتينية، شبكات ولوبيات غربية وعربيّة تجمع بين طيف واسع من أدلوجات الدفاع عن «العلمانية» واليسار، وصولاً إلى محاور دعاوى «استئصال» الإسلاميين، وليس انتهاء بالأحزاب العنصرية اليمينية الصريحة الكارهة لكل ما يتعلق بالعرب والمسلمين.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى