الكاتب: محمد حسن كيوان، قبل ثلاثة أسابيع سقطت العاصمة اليمنية بيد ميلشيات الحوثي في تطور بارز تتجاوز تداعياته البعد اليمني لتلقي بظلها على المشهد الإقليمي الساخن أصلاً. لم يتأخر المعلقون الإيرانيون عن وصف ما حدث بأنه ثورة مشروعة ضد ظلم الحكومة اليمنية الفاسدة،
و بينوا أن رفع السلاح الحوثي في وجه سلطة الدولة كان بغرض إحقاق الحق و نصرة المظلوم. ومن جهة أخرى، صرّح علي رضا زاكاني، النائب المقرب من الخامنئي في البرلمان الإيراني، أن صنعاء هي العاصمة العربية الرابعة “التي تلتحق بالثورة الإيرانية بعد بغداد و دمشق و بيروت”. و في نفس هذا السياق، أتت تصريحات “الباحث الإستراتيجي” الإيراني محمد صادق الحسيني أن هذا التطور يعني “أننا”، أي محور المقاومة، “سلاطين البحر الأحمر الجدد بعد أن أصبحنا سلاطين الخليج” و أنه قريباً ستقع المنطقة تحت سيطرة اليمن و محور الممانعة.
و لا تقتصر التصريحات الصادرة من المعسكر الإيراني على البعد السياسي و الإعلان عن افتتاح حقبة من الهيمنة الإيرانية على المنطقة، بل تتداول بعض الأوساط الشيعية (و خصوصاً الشعبية منها) أن ما يحدث في المنطقة هو في الواقع علامات دينية واضحة تحدثت عنها النصوص الدينية تبشر بإرهاصات عصر ظهور الإمام المهدي.
فوفقاً للأحاديث المنقولة عن الإمام جعفر الصادق، فإن شخصاً يلقب بـ “اليماني” يخرج في أرض اليمن رافعاً “راية حق” لأنه يدعو إلى المهدي و بالتالي “وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى”. بهذا الشكل يتم قراءة ما جرى في اليمن قبل أيام على أنه علامة معروفة من علامات آخر الزمان و يتم إسباغ الصفة “الإسكاتولوجية” (الأخروية) عليه.
قبل الغوص في المزيد من التفاصيل حول ما يتم تداوله “عن راية اليماني و”عصر الظهور” سوف نقوم بعرض بعض حيثيات تطور الموقف اليمني.
الحوثيون: من صعدة إلى صنعاء
البدايات
الحركة الحوثية هي حركة تجديدية ـ إصلاحية ضمن المذهب الزيدي (راجع الملحق أدناه) تعمل على إحياء ما تعتبره التراث الزيدي الأصلي. ظهرت الحركة كحركة اجتماعية- دينية في الربع الأخير من القرن العشرين رداً على ما اعتبرته نشاطات تبشير عدائية عملت على تحويل السكان في شمال اليمن من المذهب الزيدي إلى السلفية. هذه النشاطات كانت مرعية من قِبل الحكومة اليمنية و ممولة سعودياً و مدعومة من آل الأحمر (زعماء قبيلة حاشد أكثر قبائل اليمن أهمية سياسية ).
كانت “دار الحديث” التي افتتحت في دماج أواخر السبعينات، والتي أسسها الشيخ “الوادعي” (وهو شيخ يمني من قبيلة بكيل الزيدية الأصل سافر إلى السعودية مبكراً و اعتنق السلفية) هي أهم مركز يقوم بهذه النشاطات في مناطق الحوثيين. و رغم أن آل الأحمر هم أنفسهم من الزيديين، كما غالب قبيلة حاشد، إلا أنهم لم يمانعوا اتساع هذا النشاط طالما أنه يزيد من نفوذهم و نفوذ حليفتهم المملكة العربية السعودية و يوسع انتشار حزب “التجمع اليمني للإصلاح” الذي يُعتبر النسخة اليمنية للإخوان المسلمين و هو الحزب الذي كان زعيم آل الأحمر، الشيخ عبد الله الأحمر، أحد مؤسسيه.
خوفاً مما اعتبروا أنه تهديد مذهبي و ثقافي يستهدف التراث الزيدي للمنطقة و يسعى إلى تحويل المجتمع الزيدي إلى السلفية بحجة أن “الزيدية أهل بدعة”، أسس حسين الحوثي “حركة الشباب المؤمن” في صعدة، و هي حركة اجتماعية ـ دينية كانت تهدف لإحياء التراث الزيدي و الحد من تحول شباب الزيدية إلى السلفية من خلال تأسيس المدارس (سميت بالمعاهد العلمية) و تنظيم النشاطات الثقافية الدينية.
تمكنت هذه الحركة من اكتساب شعبية لا بأس بها مستفيدةً من حالة التهميش و الفقر الذي كانت تعيشه محافظة صعدة. و بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 قام حسين الحوثي بتحويل جل نشاطه إلى المجال السياسي.
انتقد الحوثي وقوف نظام علي عبد الله صالح و حلفائه السعوديين موقف الداعم للغزو الأميركي للعراق، و نادوا بضرورة مقاومة “العدو الأميركي” و الوقوف مع محور المقاومة رافعين شعارهم الشهير”الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام” منددين بموقف “الأنظمة العربية المتخاذلة”.
لم يستطع نظام الرئيس علي عبد الله صالح السكوت على هذا التحدي الحوثي و خاصة بعد تطوره إلى تمرد مسلح، و بذلك تحولت المشكلة للمرة الأولى إلى صراع عسكري بين قوات الجيش و ميليشيا الحوثي. و بالرغم من تمكن النظام اليمني من قتل زعيم الحركة حسين الحوثي (و الذي خلفه أخوه عبد الملك)، إلا أن ذلك لم ينهي الحالة الحوثية التي استمرت تشكل تحدياً كبيراً للدولة اليمنية في الشمال. و حدثت ست “حروب” حامية بين الحكومة و الحوثيين شاركت السعودية في واحدة منها بشكل مباشر بعد أن قام بعض رجال الحوثي بالدخول إلى الجانب السعودي من الشريط الحدودي بين البلدين.
و من الأهمية بمكان عدم النظر إلى الصراع الحوثي ـ الحكومي على أنه صراع مذهبي سني ـ زيدي، فالرئيس علي عبد الله صالح زيدي و قبيلة حاشد (و زعمائها من آل الأحمر و هم خصوم الحوثيين الألداء) التي كانت تشكل العمود الفقري لنظامه يغلب عليها المذهب الزيدي كما أن المنطقة الشمالية من اليمن من صعدة إلى صنعاء يغلب عليها المكون الزيدي.
و لا يقتصر الصراع ضمن الطائفة الزيدية على البعد السياسي من صعود جماعة الحوثي، بل إن هذا الأمر يمتد إلى المجال الديني حيث يتهم خصوم الحوثيون هذه الحركة بتشجيع الزيدين على اعتناق المذهب الإثنا عشري السائد في إيران (راجع الملحق) بدلاً من الزيدي.
ومهما يكن من أمر قصة تغيير المذهب هذه (و تغيير المذهب لأسباب سياسية ليس أمر نادر الحدوث في التاريخ الإسلامي راجع الملحق لمزيد من المعلومات) فإن منشأ هذه الشكوك هو العلاقة الاستثنائية التي تربط بين الحوثيين و نظام الملالي في طهران. فمنذ منتصف التسعينات بدأت طهران بدعم الحوثيين مادياً و ثقافياً، حتى أن راية الحوثيين التي تنادي بالموت لأمريكا (انظر الصورة) تم تبنيها إثر زيارة مؤسس الحركة إلى طهران حيث تم إقناعة بتبني هذه الراية لدعم رواية “راية اليماني” المذكورة أعلاه رغم أن هذه الرواية لم تعرف من قبل في التراث الزيدي في اليمن.
الحوثيون و ثورة 2011 في اليمن
تركت الثورة اليمنية عام 2011 تغييرات جذرية على الوضع السياسي في اليمن و على الحركة الحوثية بالتحديد، فمن جهة استغلت الحركة الحوثية حالة الإرتباك التي اعترت أجهزة الدولة فوسعت نفوذها و أكملت سيطرتها على محافظة صعدة بالكامل و أخذت تعين محافظاً و تجبي الضرائب و تدير السجون و تفرض قانونها الخاص و من جهة أخرى استطاعت الحركة الحصول على الاعتراف الدولي و الإقليمي لأول مرة عندما اشتركت في طاولة الحوار الوطني اليمني.
تزامن تعاظم الدور السياسي و العسكري للحوثيين مع زيادة الدعم الإيراني لهم بشكل كمي و نوعي، إذ أكدت عدة مصادر من بينها لجان الأمم المتحدة أن الدعم العسكري للحوثيين أخذ يرتفع بشكل ملفت. من جانب آخر، تمكنت دورية من خفر السواحل اليمني من الإمساك بقافلة تهريب أسلحة متجهة نحو اليمن تبين أن الشحنة المحملة ذات منشأ إيراني. رغم ذلك، استمرت الحركة بانكار حصولها على السلاح، كما أنكر الإيرانيون ذلك و برر المسؤول الإيراني أن حقيقة كون السلاح إيراني لا تعني بالضرورة أن السلاح قادم من إيران.
استفاد الحوثيون أيضاً من التوتر الإقليمي الذي أخذ بالازدياد إبان ثورات الربيع العربي في المنطقة، فالسعودية التي خشيت من تعاظم نفوذ حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي وقفت إلى جانب النظام المصري و اليمني. و لهذا أصيب التحالف القديم بين السعودية و آل الأحمر و حزب الإصلاح اليمني (الجناح اليمني للإخوان المسلمين) بانتكاسة قاتلة خاصة بعد انقلاب المشير السيسي على نظام الرئيس محمد مرسي و حركة الإخوان المسلمين في صيف 2013. ونتيجة لتردي العلاقات أوقفت السعودية دعمها لآل الأحمر و لسلفي دماج في حربهم مع الحوثيين بل و قامت في صيف 2014 بوضع حزب الإصلاح إلى جانب الحوثيين على قائمة الإرهاب.
كان لهذا الحياد السعودي تأثير حاسم على الصراع في اليمن، فالرئيس علي عبد الله صالح، و هو الذي انتعشت آمال بعودة جماعته إلى السلطة، انتهز فرصة تخلي السعودية عن آل الأحمر و حزب الإصلاح للانتقام من طردهم له من السلطة عام 2014 و دخل في تحالف مرحلي مع الحوثيين أعداء الأمس. لم يستطع آل الأحمر و مسلحيهم الصمود بوجه هذا التحالف الجديد و خاصة أن فرق الجيش المحسوبة على علي عبد الله صالح اتخذت موقفاً سلبياً من الصراع مع الحوثيين (1).
كانت النتيجة المباشرة لذلك هو تمكن الحوثيين من الوصول إلى معاقل آل الأحمر في محافظة عمران و إحراق دورهم و من ثم متابعة الزحف على صنعاء و دخولها يوم السبت 21 أيلول و القضاء على معاقل قوات آل الاحمر و الفرقة أولى مدرع المحسوبة على حزب الإصلاح.
راية اليماني أم كسرى على شواطئ باب المندب؟
و بالرغم من أن السبب المعلن لحركة الحوثيين الأخيرة كان المطالبة بتشكيل حكومة جديدة و تخفيض أسعار المحروقات، إلا أن الأسباب الفعلية وراء الحملة الحوثية تتعدى ذلك بكثير.
فإحدى أهم مطالب الحوثيين هي تغيير خريطة الأقاليم الفدرالية المطروحة على طاولة الحوار الوطني. لا تعجب هذه الخريطة الحوثيين لأنها تكدس مناطق نفوذهم (بالإضافة إلى العاصمة صنعاء التي أصبحت بحكم الأمر الواقع تحت نفوذهم) في إقليم كثير السكان قليل الموارد و الأسوأ بالنسبة لهم أن هذا الإقليم، و اسمه إقليم آزال (انظر الصورة) لا يمتلك منفذ بحرياً على البحر الأحمر. لهذا يطالب الحوثيون بضم محافظة حجة الساحلية لهذا الإقليم الذي سيصبح تحت سطرتهم. كما أن أهم منفذ بري في اليمن يقع في هذه المحافظة (المنفذ البري الرئيسي مع السعودية) (4). بالإضافة إلى ذلك، لا يخفي الحوثيون طموحهم بالسيطرة على ميناء الحديدة الهام. و بشكل أعم، فلا بد أن الحوثيون يبحثون عن توطيد دورهم الجديد على مستوى اليمن و تحويل أنفسهم إلى صنّاع الرؤساء و السياسات.
يذهب خصوم الحوثيين إلى ما هو أخطر من ذلك. فمنذ ثورة 2014 على نظام علي عبد الله صالح، نسج الحوثيون علاقة صداقة جديدة مع فصائل الحراك الجنوبي التي تسعى بعض الجهات الانفصالية منها إلى فصل اليمن الجنوبي عن شطره الشمالي و إعادة الحدود إلى ما قبل الوحدة اليمنية عام 1990 بل و تتداول في صنعاء معلومات مفادها أن الحراك الجنوبي يحظى هو الآخر بدعم، و إن كان محدوداً، من الجمهورية الإيرانية. فعلى سبيل المثال، منذ فترة غير بعيدة، افتتح رئيس اليمن الجنوبي السابق (علي سالم البيض) و هو من أنصار الإنفصال، قناة فضائية جديدة تنادي باستقلال اليمن الجنوبي تبث من بيروت على بعد خطوات من الضاحية الجنوبية. لا يؤكد البيض و لا ينفي في أحاديثه الصحافية حصوله على التمويل الإيراني بل يكتفي بالقول أنه و إن حصل على المعونات المالية الإيرانية فإن ذلك سيكون لمصلحة الشعب اليمني.
و بالتالي، ووفقاً لخصوم الحوثي، فإن التقسيم الفدرالي و دعم الإنفصال الجنوبي ما هو إلا مقدمة لتقسيم اليمن إلى جنوب و شمال يصبح الزيديون فيه اكثرية ديموغرافية و يكون للحوثيون فيه (و هم الذين تمكنوا من بناء دولة داخل الدولة في صعدة) اليد السياسية الطولى و يتمتعون فيه بمنفذ لهم و لحلفائهم الإيرانيين على البحر الأحمر و مضيق باب المندب.
هذا التطور اليمني ربما يمكّن إيران من التعويض عن خسارة نظام بشار الأسد، حليفها الأبرز في المنطقة، و الذي و إن لم يسقط نظامه حتى الآن، إلا أنه أصبح بعداد المنتهي سياسياً بعد أن خرب بلاده و أطاح بقيمتها السياسية و الاقتصادية. و قد قال الرئيس اليمني ذلك صراحة عندما صرّح أنه يخشى من ” أن إيران تسعى مقايضة صنعاء بدمشق”.
و بالنتيجة يبدو الأداء الإيراني السياسي الإيراني في اليمن أقرب إلى إحياء تراث كسرى أنوشروان و احتلاله لليمن في القرن السادس الميلادي منه إلى إحياء تراث الأئمة و تقفي أثر عصر الظهور.
طبعاً، فإن ذلك لا يمنع البعض من الشيعة العرب في المنطقة من التغاضي عن القراءة السياسية للأحداث لصالح قراءة أخرى أخروية تفسر ما يحدث في اليمن بدلالة راية اليماني العادلة و تجعل انتصار “سيد اليمن” عبد الملك الحوثي علامة فارقة دون الالتفات إلى الأخبار التي تتحدث عن سطو الحوثيين على أسلحة الجيش اليمني في صنعاء و نقلها إلى صعدة و لا إلى تحالف الحوثيين مع العسكريين المحسوبين على نظام علي عبد الله صالح هذا النظام الذي لا يمت للمثالية و لا للعدالة بصلة.
أما في ما يخص علاقة شخصية تافهه سياسياً و عديمة الوزن دينياً كبشار الأسد بهذه السيناريو الأخروي المتداول، فإن جولة على بعض المواقع المقربة من إيران تظهر أن بشار الأسد قد يكون “الأصهب” و هو شخصية أخرى تنص الروايات على أنه يحكم بالشام قبيل عصر الظهور و لكن حكمه يسقط على يد شخص شرير آخر هو السفياني يخرج من درعا بعد حدوث “خسف” في حرستا (و من هنا أصل اللطمية “جدح من درعا الشرر”) . و بالطبع لا تتفق جميع الآراء حول اعتبار بشار الأسد هو الأصهب لأنه بالنسبة مثلاً للشيخ جلال الدين علي الصغير فإن” هذا الأمر هو اسقاط مبكر للروايات على الشخصيات المعاصرة و هو أمر لا طائل منه و لا دليل عليه إطلاقاً “.
و التوراة أيضاً تتنبئ بخراب دمشق:
و لا تقتصر الرويات التي تتنبأ بخراب منطقتنا التعسة على الجانب الإسلامي، ففي الآونة الأخيرة راجت في الدوائر اليهودية الأميركية روايات تعتبر أن ما يحدث في سوريا هو تحقيق لماورد في سفر إشعيا و سفر إرميا. فوفقاً لجويل روزنبرغ المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن هذه الاسفار تتنبئ بدمار كامل يحل بمدينة دمشق مع اقتراب نهاية الزمان و يجعها “كومة من الركام” فتختفي هذه المدينة (و هي أقدم عاصمة مأهولة حتى الآن) عن الخريطة و تصبح أثراً بعد عين. وهكذا يعتبر روزنبرغ في مقابلة مع على قناة فوكس نيوز الأميركية، أن الحرب الدائرة في سورية منذ سنوات و التي شردت الملايين و دمرت البلاد، قد تكون “حساباً إلهياً لدمشق على شرها” و يكون دمار هذه المدينة العتيقة علامة على نهاية الزمان.
و لعله من السخرية بمكان أن المستشار المذكور (جويل روزنبرغ) و الذي يعتبر نفسه محللاً في شؤون الشرق الأوسط، استثمر خياله الخصب في هذا المجال فكانت النتيجة أن ألف رواية خيالية بعنوان “أيام دمشق الأخيرة Damascus Countdown” .و الأغرب في الموضوع أن هذه الرواية الخرافية صنفت، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية على أنها إحدى أكثر الكتب مبيعاً في العام.
و لا يخفى على القارئ العزيز، أن نفس النوع البائس من أسطرة السياسة يلقى رواجاً واسعاً في الدوائر الداعشية السنيّة التي تعتبر أن ما تفعله في الشام و الحرب الدولية الدائرة على أرضها ما هو إلا تحقيق لعلامات نهاية الزمان، حيث تكون الشام المحشر و تدور فيها المعركة الأخيرة بين أهل الخير (داعش و أضرابها) و الأشرار من التحالف الدولي.
هكذا يتم تحويل شعب هذا البلد إلى ملايين من الكومبارس الذين يموتون ليكتمل شكل لوحة سيناريو نهاية الزمان، و تتحول مدينة دمشق و غيرها من المدن السورية القديمة إلى ديكورات “أنتيكا” تذكر بالقصص التوراتية القديمة عن العذاب و الدمار. و يبقى علينا نحن معشر السوريون أن نهضم هذه القصص التي تفرض علينا كغطاء لتغطية الصمت العربي و العالمي وأن نتحمل العذاب الأليم لدفع فاتورة سيناريو نهاية الزمان أو بشكل أدق تحمل دفع فاتورة طموحات القوى الإقليمية في السيطرة على المنطقة.
ملحق:
الزيديون و موقعهم من المذاهب الشيعية الأخرى
بعد نجاته من المجزرة في كربلاء، ابتعد الإمام علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن النشاط السياسي المعارض للأمويين، و استقر في المدينة المنورة حيث تفرغ للعبادة و التدريس. و اتبع ابنه الأكبر، محمد الباقر بن علي، نفس سياسة أبيه الهادئة و كرّس اهتمامه للفقه و العلوم الدينية، الأمر الذي جعله يترك أثراً كبيراً في علوم الفقه (في المذاهب الفقهية الشيعية كما السنية). و لكن زيد بن علي، الأخ الأصغر للباقر لم يتبع نفس الموقف السلبي من العمل السياسي المعارض لبني أمية و كان لهذا الموقف أثر تأسيسي على معتقدات المذهب الزيدي.
فالنسبة لزيد، إن كان الإمام يعتقد بأحقيته بالإمامة (الخلافة) فما عليه إلا أن يعلن ذلك جهراً و أن يخرج على الحكم الجائر و سيفه بيده إن لزم الأمر. و طبعاً فإن العمل السياسي و الثورة العلنية، ليست الشرط الوحيد بل على الإمام أيضاً، وفقاً للفكر الزيدي، أن يملك من العلم الواسع ما يؤهله لهذا المركز.
الاختلافات بين الزيدية و بين الإسماعيلية و الإثناعشرية (انظر المخطط) تمتد إلى مسائل أخرى، فعلى عكس الفرقتين الأخرتين، لا تشترط الزيدية حصول الإمام القادم على نص صريح من الإمام السابق. بل إن أي رجل من أحفاد فاطمة الزهراء يمتلك العلم الكافي و يستطيع الخروج جهراً بإمامته يمكن أن يحظى بهذه المكانة. بالإضافة إلى ذلك، فلا يؤمن الزيدية بغيبة الإمام المهدي و بانتظاره و هذا ما يجعلهم ينزعون، خلال تاريخهم السياسي ـ الديني، إلى العمل السياسي الناشط و إلى تأسيس عدة دول.
و في عام 740 (أثناء خلافة هشام بن عبد الملك) أعلن زيد بن علي الثورة على حكم بني أمية في الكوفة حيث تقول بعض المصادر أن هذا التمرد حظي بدعم الإمام أبو حنيفة النعمان (صاحب المذهب الحنفي) الذي أفتى بوجوب دعمه. و لكن هذه الثورة لم تكن منظمة بشكل جيد و باءت بالفشل و تم قمعها بشدة على يد والي العراق يوسف بن عمر الثقفي الذي استطاع الإمساك بزيد و قتله. بعد ذلك بعدة أعوام حاول ابن زيد يحيى، القيام بثورة مماثلة في خراسان و لكنه قتل هو الآخر على يد نصر بن سيار والي الأمويين على خراسان.
الدول و السلالات الزيدية:
لاحقاً، تمكنت حركات زيدية عدة من تأسيس دول عاشت لقرون و منها دولة “الأدارسة” في المغرب الأقصى و التي أسسها عام 788 إدريس بن عبد الله الكامل أحد أحفاد الحسن بن علي بن أبي طالب. و هو باني فاس في المغرب.
و في الأندلس تمكنت جماعة أمازيغية زيدية من إعلان إمارة بني حمود الزيدية في مالقة إبان عصر ملوك الطوائف.
في اليمن، تم إعلان أول دولة زيدية في القرن العاشر الميلادي، عندما تم تنصيب يحيى بن الحسين ذو النسب الحسني خليفة في صعدة و استمر الإئمة من هذه السلالة يحكمون شمال اليمن (بما في ذلك صنعاء) بشكل متقطع لحوالي الألف عام تقريباً إلى أن قامت جمهورية اليمن الشمالي على أنقاض آخر ممكلة زيدية (المملكة المتوكلية) التي سقطت بيد الضباط الجمهوريين (المشير عبد الله السلال) المدعومين من الرئيس المصري جمال عبد الناصر في 1970 بعد حرب أهلية طويلة حظي فيها الملكيون بدعم المملكة العربية السعودية، المنافس التقليدي لعبد الناصر في تلك الحقبة.
المذاهب في العصرالعباسي : قليل من العقيدة و كثير من السياسة
حتى العصر العبّاسي، كثيراً ما كان الانتماء المذهبي يتعلّق بالظروف السياسيّة أكثر منه بالاعتقادات الدينية. فمثلاً، عند وصول الأتراك السلاجقة إلى شرق المتوسط قادمين من بلاد فارس في النصف الثاني من القرن الحادي عشر، اضطر أمراء بني مرداس إلى تغيير مذهب دولتهم من الشيعي الإثناعشري (راجع المخطط التوضيحي) إلى السني و ذلك تحت ضغط السلالة السلجوقية التي كانت النصير الأول للإسلام السنّي في المنطقة.
بعد هذه الحادثة بعقود قليلة، وقعت حادثة مشابهة في مصر هذه المرة عندما قام أحد الوزراء الفاطميين بالتمرد على الخليفة الفاطمي الاسماعيلي الحافظ لدين الله و حبسه. و للتخلص من النفوذ الديني للخليفة الفاطمي، عزم هذا الوزير على تغيير مذهبه و لكنه بنفس الوقت رفض مبايعة الخليفة العباسي و قرر بدلاً من ذلك، في حركة بالغة الذكاء، اعتناق المذهب الاثناعشري لأنه في ذلك العصر، لم يكن لهذا المذهب إمام موجود (لأنه عصرالغيبة الكبرى) و بالتالي يستطيع هذا الوزير أن يحكم بشكل مستقل تماماً مع الإدعاء أنه ينتظر عودة الإمام المهدي من الغيبة الكبرى على أي حال، و رغم هذا التكتيك العالي المستوى، إلا أنه سرعان ما تم اغتيال هذا الوزير و عادت سلطة الخليفة الفاطمي.
المراجع
1. العربي, وحدة تحليل السياسات في المركز. ماذا يعني سقوط صنعاء بيد الحوثيين. الدوحة: المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات 2014.
2. مقابلة مع المحلل الإيراني محمّد صادق الحسيني على شاشة الميادين. بتاريخ 10.10.2014
3. الشيخ علي الكوراني. اليمن ودورها في عصر الظهور.
4. International Crisis Group. The Huthis: From Saada to Sanaa. Sanaa/Brussels 2014.
5. عبد الكريم سلام. المواجهات مع “الحوثية”.. ضرورة للحسم ومخاطِـر من اللاّحسم.
6. W. Andrew Terrill. Iranian Involvement in Yemen. Orbis. ELSEVIER، 2014، المجلد 58، 3.
7. العطار, حيدر. حيدر العطار جدح من درعا الشرر وخصم مهدينا ظهر
8. Joel Rosenberg. Syria & Bible Prophecy About Damascus in the Book of Isaiah w/ Megyn Kelly
9. Joel C. Rosenberg. Damascus Countdown . Tyndale House Publishers, Inc، 2014.
10. Farhad Daftary. The Isma’ilis: Their History and Doctrines. Cambridge: Cambridge University Press; 2 edition ، 2007.
كلنا شركاء – وطن اف ام