مقالات

روزانا بو منصف – استنزاف القادة العسكريين للحزب في سوريا انسحاب مستبعد وأكلاف كبيرة متصاعدة

يعد اغتيال قيادي آخر لدى “حزب الله” من وزن مصطفى بدر الدين ضربة قاسية وقوية توجه الى الحزب بعد سقوط عدد من قيادييه في سوريا، ما يكبر حجم خسائره لكن أيضا حجم انخراطه في الحرب السورية.

ويشكل استنزاف “حزب الله” قياداته العسكرية الأساسية في سوريا بمقتل بدر الدين بعد عماد مغنيه وسمير القنطار وصولا إلى جهاد مغنيه، وجهين متقابلين ليس في المدى القريب، إنما الأبعد قليلا بالنسبة إلى مراقبين يرون أن ثمة ما يفرض التوقف عنده في سياق هذه التطورات. الوجه الأول هو سقوط هذه القيادات في المواجهات على الأرض السورية وليس في الحرب، انطلاقا من لبنان ضد إسرائيل، مع ما يعنيه ذلك من خسارة الحزب قيادات صنعت له تاريخا ضد إسرائيل وعلى نحو قد يكون بات في حاجة إلى صناعة قيادات جديدة، تكتسب مشروعية ” أسطوريتها” من مواجهة العدو؛ لأن هذه الأسطورية مشكوك في موقعها انطلاقا من مواجهة خصوم بشار الأسد في الميدان السوري، حتى لو انطبقت على هؤلاء الخصوم صفة التكفيريين. تبدو بالنسبة إلى البعض احتمالا قويا لبداية نهاية مرحلة.

وليس سهلا بالنسبة إلى الحزب الذي تأنى في إطلاق الاتهامات فورا في اتجاه إسرائيل في مقتل بدر الدين أن تصح فرضية نجاح إسرائيل في استهداف قيادي آخر لديه، بما يعنيه ذلك من تعرضه لاختراق بات متاحا وسهلا في أي وقت أمام العدو، ما يؤشر إلى وجود خاصرة أمنية مكشوفة لديه بعيدا من الحرب المباشرة مع إسرائيل، علما أن في ذلك ما يوفر له مبررات كثيرة من استمرار قياداته هدفا للإسرائيليين، على رغم انخراطهم في الحرب السورية. ومن مبررات استمرار حتمية مقاومته ولو أن جبهة الجنوب هادئة. كما ليس سهلا بالمقدار نفسه أن يكون هذا القيادي الذي له في سجله قائمة طويلة من الإنجازات في إدارة العمليات الاستخبارية أن يكون فريسة سهلة لمعارضين سوريين، علما أن هذا الأمر الأخير قد يكون أسهل مع المواجهة الشرسة التي وقع ضحيتها أيضا مسؤولون إيرانيون كبار في خان طومان، وقبلها في مناطق سورية أخرى.

لكن وعلى رغم الثمن المرتفع لما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الحزب، فإن السؤال الذي يطرحه البعض يتصل بما إذا كان ذلك يمكن أن يشكل سببا مباشرا لإعادة النظر في العودة عسكريا من سوريا، على رغم استبعاد ذلك من أكثر من جهة لاعتبارات متعددة تتصل باستبعاد انسحابه بعد أثمان كبيرة دفعها من أرواح مقاتليه، علما أنه ثمة معطيات عن استنزاف الحزب احتياطه من المحاربين السابقين في المواجهات مع إسرائيل ووجود عدد كبير من الجرحى لديه واستعانته بعناصر جديدة. كما أن الانسحاب بات صعبا من دون أثمان سياسية، ما يسعى إلى الحصول عليها ومن بينها ضمان مصير الحكم في سوريا، وإذا أمكن ضمان بقاء بشار الأسد. ومراقبون سياسيون كثر لا يرون أن الحزب وعلى رغم خسارته يمكن أن يهتز لاقتناعه وإدراكه أن خسائر كبيرة تقع في الحروب، والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله سبق أن تحدث عن استعداد لدفع ما يتطلبه الأمر في سوريا، لا بل إن الحزب قد يحظى بتعاطف أكبر معه من جانب مناصريه وطائفته، وفق ما قد تعبر عنه الانتخابات البلدية في وقت لاحق.

والوجه الآخر في المقابل الذي لا يفوت البعض ملاحظته أيضا، هو مقتل قيادات أدرجت أسماؤها في خانة الاتهام الغربي للحزب بـ”الإرهاب”، في ظل إدراج دولي لهؤلاء على لائحة اتهامات طويلة كان آخرها ما يطاول بدر الدين أمام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، من اتهام بالتورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفي ظل تساؤلات إذا كانت هذه المحكمة ستفقد مبررها بعد بعض الوقت، خصوصا أنه بالنسبة للفريق المعني بالمحكمة في لبنان، فإن مسؤولين كثرا اعتبروا على صلة في شكل أو في آخر بملف اغتيال الحريري، تم وضع حد لحياتهم بسيناريو أو بآخر.

فأول ما يثير الاهتمام في سياق الإعلان عن مقتل بدر الدين الذي رفض الحزب أن يمثل مع المتهمين الآخرين أمام المحكمة، ما قد يشكك كثر في أن ظروف الحرب السورية مناسبة لإبعاده عن الواجهة نهائيا، من خلال ما تدأب مخابرات الدول وحتى التنظيمات الكبيرة على القيام به، أي رسم شكوك حول موت بعض الأشخاص من أجل حمايتهم من ملاحقة ما، وضمان استمرارهم في حياتهم بعيدا من أعين عارفيهم، وحتى أقرب أقربائهم لأن المحكمة حتى لو أنكر الحزب التعاطي معها، فهي قائمة ويمكن أن تصل إلى أحكام في نهاية الأمر. وهذا ناتج عن ثقة مفقودة من جانب الأفرقاء السياسيين في البلد تدفع بهم إلى إثارة شكوك مماثلة.

هذه الملاحظات يتعذر عدم تسجيلها في سياق خلفية انخراط الحزب في حرب قال إنها ضد الإرهاب في سوريا، علما أن مسؤولين لديه كانوا لا يزالون ملاحقين بهذه التهمة، لكنه لم يحظ بالصدقية اللازمة في موضوع حربه ضد الإرهاب في سوريا، خصوصا مع إدراجه من الدول الخليجية وموافقة دول عربية على لائحة التنظيمات الإرهابية لانخراطه في الحرب إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد ضد معارضيه، وفي زمن فرض قانون مالي جديد من جانب الكونغرس الأمريكي يطاول مؤيديه ومناصريه، إن لم يكن عناصره مباشرة ويضيق عليهم هامش تحركهم المالي مع المصارف في لبنان ومع الخارج. لكنها عناصر يمكن رصد أماكن توظيفها في المستقبل.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى