احذروا داء التحريض من أميركا إلى أوروبا… تعرفون السفّاحين والمجانين والضحايا.
خذوا الحكمة من أفواه الروس، فضرباتهم الجوية «سمحت بتحسين الوضع في سورية»!… أليس الدليل ناجزاً في تسريع وتيرة التدمير، وتشجيع النظام على مزيد من الضربات العشوائية التي توسّع موجات الرعب والإبادة للمدنيين؟ والكرملين لا يعرف ولن يدرك كم من الوقت يلزمه لاكتشاف «الخيط الرفيع» بين «المعارضين المعتدلين» في سورية، وفصائل «الإرهابيين».
لدى غالبية السوريين بات السؤال: «لماذا يكرهنا العالم، فيتواطأ علينا؟… كم بحراً من دمائنا يرويه»؟!
للسؤال وجه آخر، ومثلما النظام في دمشق وحلفاؤه سبب للتواطؤ، «داعش» بات القنبلة الموقوتة على أعناق العرب والمسلمين في العالم. كلهم باتوا «مشبوهين»، والأخطر في ما نشهد هو إيقاظ وحش العنصرية، في حقبة تختل فيها إدارة مجلس الأمن والأمم المتحدة لأزمات القارات الخمس وحروبها، وتنسحب أميركا إلى مقاعد المتفرجين على المذابح.
وبعدما نال العرب نصيبهم من الانتفاضات، يعلو في أميركا صوت يحرّض على انتفاضة ضد مسلمي الولايات المتحدة، ويصرّ الكرملين على أن مَنْ يرفعون راية الخلافة وشعارها هم وحدهم سبب بلاء العالم كله. ويصفع الأوروبيين تحذيرٌ من أن خريطة قارتهم قد تتآكل تحت وطأة طوفان جديد من اللاجئين.
تريد روسيا انتفاضة عسكرية بلا نهاية ضد مَنْ «يسعون إلى إقامة خلافة تمتد من البرتغال إلى باكستان»، يقول وزير الخارجية سيرغي لافروف. يصرّ المهرّج الطائش دونالد ترامب الساعي إلى كسب ترشيحه لانتخابات الرئاسة الأميركية باسم الجمهوريين، على أولوية أن ينتفض المسلمون في الولايات المتحدة على ما اعتادوا عليه، فيبادرون إلى تسليم الشرطة كل مسلم «مشبوه».
لا يُخبِر لافروف ولا القيصر فلاديمير بوتين أحداً أي لغز وراء زلزال «داعش» في العراق ثم سورية… أما المهرّج فلا وقت لديه للتفكير في أي معيار يحدد مَنْ هو «المشبوه»، أو أي مصلحة للولايات المتحدة في أن تشهد حرباً بين مسلميها، أو حرباً على كل المسلمين، تقترب من الجنون.
ولأن باراك أوباما تفوّق على غيره من الرؤساء في إغداق المساعدات المالية والعسكرية على إسرائيل، بذريعة ضمان أمنها وتفوّقها على ارتدادات «الربيع العربي»، التقط ترامب خيط اللعبة لكسب تأييد اللوبي اليهودي، معارضاً علناً وقف الاستيطان الذي يبتلع أراضي الفلسطينيين ويقتل مشروع الدولة.
أي عدالة للعرب والمسلمين؟
إنه عصر المجانين والمحرّضين، والشعبويين الذين يرمّمون جدران الكراهية بين شمال وجنوب، وبين مسيحي ومسلم، ومسيحي و «مشبوه».
أوروبا أيضاً التي ذاقت إرهاب «داعش»، بدأت تتغير، وكان طوفان اللاجئين العام الماضي فرصة ذهبية ليجدد اليمين المتطرف وظيفته. لكنّ أزمة القارة مديدة وعسيرة، تطاول بنية الاتحاد الأوروبي وأهدافه، وتشكك في هويته الموحّدة. إنه سلاح آخر لينقضّ دعاة التطرّف على مفاهيم الحرية والعدالة الإنسانية، بذريعة تسلُّل الإرهاب بين المهاجرين واللاجئين ضحايا الحروب.
بين أشد المتشائمين الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني (أم آي 6) ريتشارد ديرلوف الذي يرى الاتحاد الأوروبي في مواجهة مع نذر «انتفاضة شعبوية»، ويطرح احتمال طوفان آخر عاتٍ يحمل ملايين من البشر إلى القارة، وقد تنعكس أزمته على خريطتها و «تعاود تشكيلها».
الأكيد أن الاتحاد ما زال عاجزاً عن احتواء تداعيات الطوفان الأول الذي نجم خصوصاً عن الحرب الوحشية في سورية، مثلما هو واضح أن دول أوروبا الشرقية التي التحقت بقطار الاتحاد ترفض دفع ثمن الشراكة، بحجة إغلاق الأبواب والنوافذ في وجه رياح «داعش».
خرائط عربية تحترق، خريطة أوروبا الموحّدة تحت ضربات الإرهاب وطوفان اللاجئين، وحده أوباما نطق بحكمته، معلناً أن «العالم بات أكثر أمناً»! لعلّه عنى الولايات المتحدة منذ طبّق سياسة «اتركوا العرب يقلعون أشواكهم بأيديهم»، وأضاف إليها: «اتركوا الروس يمرّنون عضلاتهم… تدريبات الاستنزاف طويلة ومريرة».
إنه عصر الرهان على عضّ الأصابع، والخرائط الجديدة للمنطقة، بعد مئة سنة على اتفاق سايكس- بيكو، يرسمها من يصمد إلى النهاية.
المصدر : الحياة