من الفلوجة الى الرقة تحاول واشنطن وضع نفسها في الموقع الاول في محاربة “داعش”. هذا موقع كانت احتلته روسيا بعد تحرير مدينة تدمر من التنظيم قبل شهرين. وانصب جل الاهتمام الأميركي في حينه على منع موسكو ودمشق من اكمال الطريق نحو الرقة أو دير الزور، فكان هجوم الفصائل السورية المدعومة أميركياً وخليجياً وتركياً على حلب وتحقيق الاختراق على جبهة خان طومان.
لا يعدو تنشيط الدور العسكري الاميركي في العراق والسماح للقوات العراقية بما فيها الحشد الشعبي ولو من بعيد بالمشاركة في معارك الرطبة ومن بعدها في الفلوجة ومن ثم اطلاق معركة الريف الشمالي في الرقة، كونه قطعاً للطريق على امكان استئثار روسيا بالدور العسكري المتقدم في سوريا كما كان الوضع منذ 30 أيلول 2015 ولغاية وقف العمليات القتالية في 27 شباط 2016 وقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب الجزء الاساسي من المقاتلات الروسية من سوريا.
لقد أعاق قفز الروس الى الواجهة العسكرية، اﻻجندة السياسية للولايات المتحدة وحلفائها في سوريا، وأرغمها على اعادة ترتيب الاولويات، وباتت حكومة وحدة وطنية هي الهدف بعدما كان إسقاط النظام هو الهدف منذ ما يزيد على خمسة أعوام.
وثمة عوامل أخرى تملي على الولايات المتحدة التحرك بجدية أكبر حيال “داعش” في العراق وسوريا. ومن هذه العوامل الامكانات التي وفرتها الاراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق، ليتمدد في ليبيا ويتحول خطراً اقرب الى السواحل الأوروبية، الأمر الذي استدعى من الغرب التفكير في العودة عسكرياً الى ليبيا، وتلك جبهة جديدة لن يكون التعامل معها بسهولة مع استمرار جبهتي سوريا والعراق.
هل يعني هذا ان فترة السماح الغربي حيال “داعش” قد بدأت فعلا وان الرهان على الدور الوظيفي للجهاديين في تحقيق الاجندات السياسية لأميركا وبعض دول أوروبا قد انتهى؟ وهل انتهت مقولة انه يجب ألا تلحق ضربة قاضية بالجهاديين لئلا يستفيد منها النظام في سوريا كما هو جار منذ خمسة أعوام حتى اليوم؟
واذا كان هذا هو الحال مع “داعش”، فلماذا ترفض أميركا تعاملاً أقسى مع “جبهة النصرة” التي هي فرع “القاعدة” في سوريا؟ هل مبعث ذلك احتمال أن تكون “القاعدة” هي البديل من “داعش” في استنزاف النظام في سوريا؟
وهنا تجدر متابعة الإلحاح الروسي على ضم الولايات المتحدة، ربما لأن موسكو لا تميز منذ البداية بين “داعش” و”النصرة” وترى ان لكليهما منشأ واحداً وانهما يحملان اجندة واحدة وكذلك “أحرار الشام” و”جيش الاسلام”. ولكن ليس هذا رأي أميركا التي لم تسقط كلياً بعد مشروعها الاساسي في سوريا.
المصدر : النهار