مقالات

بدر الراشد – إعلان داعش مسؤوليته

من المبكّر الحديث عن نتائج التحقيقات الأميركية في حادثة إطلاق النار، واحتجاز رهائن في ملهى ليلي للمثليين في مدينة أورلاندو. لكن الملاحظة الأولى التي يمكن تسجيلها أن السلطات الأميركية لم تتعامل، حتى الآن، مع “مبايعة” منفذ الهجوم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتبني التنظيم الهجوم، عبر وكالة أعماق، باعتبارها حقائق تكشف التباسات تنفيذ الهجوم، ودوافعه.

 

لم يخرج مسؤول أميركي ليعلن أن “داعش” مسؤول عن الهجوم، لينهي النقاش حول الحادث. وما زالت فرضية أن يكون الهجوم “جريمة كراهية” تجاه المثليين قائمة، بالإضافة إلى الحديث عن الاضطراب العقلي لمنفذ الهجوم، الأمر الذي تؤكده طليقته. ولم يتحدث الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن “الإرهاب” في تعليقاته الأولية بعد الهجوم، بل أشار بوضوح إلى مسألة “فوضى السلاح” في المجتمع الأميركي، وأكد هوية المجني عليهم كمثليين. ما يعني أن الرئيس ما زال يتعامل مع الحادثة، بصورةٍ كبيرة، باعتبارها شأناً محلياً أميركياً، يتعلق بقوانين السلاح، ورهاب المثليين “الهوموفوبيا”.

وفي هذا السياق، نفى مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركي (FBI) أن التحقيقات أظهرت أي علاقة بين منفذ العملية وأي “شبكة إرهابية”، وأفاد بأن منفذ الهجوم “اعتنق الفكر المتطرف عبر شبكة الإنترنت”، من دون التأكد من وجود صلات بين منفذ الهجوم ومنظمات إرهابية خارجية.

يبدو كأن الولايات المتحدة الأميركية تحاول، اليوم، تجنب تكرار الخطأ الذي وقعت فيه، في مواجهتها مع تنظيم القاعدة، حين اعتقدت أنه يقف فعلاً وراء كل العمليات التي يُعلن مسؤوليته عنها. الأمر الذي ضخّم جداً من قدرات تنظيم القاعدة وانتشاره، بطريقةٍ لم تخدم الدعاية الأميركية أبداً، حيث أعطت “القاعدة” ما يريد، باعتباره نداً لـ “القطب الأوحد” في العالم، فأصبح يُبادر إلى تبني أي مجموعة جهادية، أو عملية إرهابية، فانتشرت “فروع” القاعدة في العالم، وتبنى عمليات متعددة ومعقدة، بينما يجلس زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، في منزله في أبوت أباد، من دون أن تكون له سلطةٌ تذكر، لا على التنظيم الأم، ولا فروعه حول العالم.

حاول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وراثة تنظيم القاعدة، على المستوى الإعلامي، ووراثة موقعه ندّاً للولايات المتحدة، من خلال طرح نفسه ممثلاً لجميع المسلمين، ونداً لجميع “الدول الكافرة”، وفي مقدمتها أميركا.

يتحدّث المراقبون عن استراتيجية يتبناها “داعش”، تحت لافتة “الذئاب المنفردة”، حيث يشن أفراد هجماتٍ منفصلة، من دون ارتباط بالتنظيم الأم. كل ما تتطلبه هذه العمليات أن تقتل، وتحاول مبايعة “الخليفة” إن استطاعت.

وجعلت استراتيجية “الذئاب المنفردة” تنظيم داعش يتبنى أي هجوم في العالم، يتقاطع مع مصالحه، حتى لو عرف عن الهجوم من وكالات الأنباء، مثل الآخرين، ما يعني أن تبني “داعش” هجمات قد يضلل التحقيقات أكثر من كونه يعطي مفتاحاً لكشف دوافع الجريمة، ومعرفة التباساتها.

من الصعب نفي أو إثبات أن منفذ هجوم أورلاندو، الأحد الماضي، أو قاتل الشرطي وزوجته في باريس، الاثنين، استجاب لدعوة أبو محمد العدناني إلى استهداف المدنيين في الولايات المتحدة في شهر رمضان. لكن مجرد إعلان الولاء لتنظيم داعش، وتبني الأخير العملية، غير كاف لفهم هذه العمليات وسياقها.

قد تكون حادثة أورلاندو جريمة كراهية ضد المثليين، أراد منفّذها إعطاءها زخماً أكبر بالحديث عن علاقاتٍ مع تنظيم الدولة الإسلامية. كما أن استهداف شرطي فرنسي بالقتل قد يكون له ألف سبب، لكن العملية ستكون أكثر قيمةً، عندما يتبناها تنظيم إرهابي عالمي، مثل داعش.

هنا، يصبح وصم أي عملية إرهابية، باسم تنظيم الدولة الإسلامية، خطأ قاتلاً ومضللاً. قد يُستخدم اسم التنظيم لتضليل التحقيقات، وتغطية دوافع أخرى، أو يأتي لتبرير أجندةٍ سياسيةٍ. كما فعل المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، والذي استبق كل التحقيقات بتكرار أحاديثه العنصرية عن منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، متهماً “الإرهاب الإسلامي” بالمسؤولية عن هجوم أورلاندو.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى