«لو فرضنا جدلاً» عنوان لبرنامج على محطة «سما» السورية، ربما لم نكن لنسمع به، على رغم أنه في موسمه الثالث، لولا ورود مقاطع منه على صفحات بعضهم في «فايسبوك»، إما بهدف إثارة ضحك الأصدقاء وإما لانتقاد «إساءته للسوريين».
البرنامج السوري، وفق تعريف موقعه على الانترنت، يعرض «ردود فعل الناس على أسئلة فرضية مفاجئة أمام الكاميرا». في ادعائه هذا يجانب البرنامج ومقدّمه الحقيقة تماماً، فهو يختار بكل عناية ويمكن أن نضيف بمكر، أنماطاً معينة من الناس، يلتقطها ضمن سعيها اليومي ويلقي عليها سؤالاً مشبوهاً ماكراً، يختلف من حلقة إلى أخرى. فأمام سؤال سخيف من نوع «ما رأيك بإعادة افتتاح سفارة سورية في دمشق»، أو «بفتح قناة بحرية بين دمشق وطرطوس»، أو «ماذا لو مررنا خط الاستواء في دمشق، هل هذه بادرة جيدة؟»
وأسئلة من هذا القبيل… بماذا سيرد المواطن الذي كان بالتأكيد في وارد آخر غير تعرضه لميكروفون وكاميرا، سوى بإجابات عبثية ومؤيدة 99.9 في المئة؟ كلهم موافقون على كل ما يقترحه هذا المقدم الذي يتذاكى على الشعب المنهك «البسيط» ويبدو مستمتعاً بإظهار غبائه.
وأمام «جهل وبساطة» المواطن السوري اللذين يسعى هذا البرنامج لإبرازهما بهدف التسلية وإضحاك المشاهدين، فهو لا بد له من تبرير أخلاقي لما يرتكبه بإظهار أناس بسطاء على الشاشة وجعلهم محط سخرية في كل مكان. وقد قام التبرير العبقري على مبدأ أن «السوريين مهضومون بالفطرة وعفويون وعندن روح النكتة والضحكة الحلوة…» كما يكتب في مقدمة الحلقات وهذا، وفق زعمه، كان وراء «الأجوبة الصادمة عند السؤال وأيضاً الوقوف المفاجئ أمام الكاميرا».
ليست الإجابات صادمة بمقدار ما تثير أسئلة عن مدى «عفوية» الموطن السوري أمام شاشة بلده.
فهو ليس بهذا الغباء الذي يظهره عليه البرنامج. فباستثناء الارتباك الطبيعي لكثيرين أمام الكاميرا حتى هؤلاء الذين يتحلون بمقدار من الثقافة، ألا يظن المقدم أن المواطن السوري لا يمكن له أن يرد على شاشة سورية بما هو غير متوقع منه؟
إنه مواطن اعتاد على إخفاء آرائه ويخشى قول أي حقيقة ممكنة على شاشة سورية، ولو قالوا له البحر حلو لردد وماله! وبمجرد طرح السؤال عليه سيعمل الذهن السوري سريعاً، ما هو المطلوب مني قوله وما المتوقع مني قوله كرد؟ لا يفكر بمعناه بل بما هو منتظر منه أن يجيب، ولا ريب في أن «التأييد» لأي قول ومشروع هو المطلوب، فليكن. وهكذا فإن تمرير خط الاستواء هو خطوة حكيمة، وفتح قناة بحرية من دمشق مناسب جداً، فكل ما تقوم به الدولة» على راسنا» و«لا شيء يصعب على الحكومة»… هل بعد هذا نقول أن المواطن السوري بسيط؟ ربما، لكنه بالتأكيد حكيم أيضاً!
المصدر : الحياة