مقالات

إيهاب نصر – القاع: في خدمة “حزب الله”

لا يمكننا عزل ما حدث في القاع عن الخطابات السياسية التي سبقت الإنفجار بأيام والتي حملت في طياتها وبين سطورها تطوراً خطيراً في مجريات الأحداث التي يمكن أن تحدث لاحقاً.

فالأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، أكد في خطابه أثناء احياء ذكرى أربعين مصطفى بدرالدين، الترابط ووحدة المصير بين العراق وسوريا ولبنان، لجهة الخطر التكفيري.

ولم يكتف بتجييش أنصاره وحثهم على القتال في سوريا وإقناعهم بأنهم مضطرون إلى القتال هناك، بل وجه دعوة القتال إلى الجميع.

وبعد يومين على خطاب نصرالله، أطل وزير الخارجية جبران باسيل في مناسبة حزبية لـ”التيار الوطني الحر”، ليؤكد أن البلديات التي فاز فيها التيار لن تسمح بوجود لاجئين سوريين على أراضيها متجاوزاً القرار الرسمي اللبناني وكل الأعراف والمواثيق القانونية والإنسانية، في تطور بارز لخطابه العدائي اتجاه اللاجئين.

وما إن وقعت تفجيرات القاع حتى اتجهت أصابع الاتهام إلى مخيمات اللجوء السوري كمصدر للإرهاب.

وفي حفل جنون هستيري اثر التفجيرات تعالت الدعوات إلى المجتمع المحلي للتسلح. فدعا وئام وهاب إلى تشكيل أنصار الجيش على الحدود. وتوجه النائب أنطوان زهرا إلى القاع ممتشقاً السلاح إلى جانب رفاقه المقاتلين. وأعلن صهر الجنرال ميشال عون شامل روكز توجهه إلى القاع والبقاء مع أهلها ملمحاً إلى نيته مساعدتهم على تنظيمهم عسكرياً. بالإضافة إلى مروان فارس وإميل رحمة الداعيين إلى التسلح والمحذرين من خطورة وجود مخيمات للنازحين.

والخطورة في الخطابات التي سبقت وأعقبت تفجيرات القاع تكمن في ثلاث مسائل:

أولاً: إعلان “حزب الله” رسمياً وعلى لسان أمينه العام أنه خارج الدولة اللبنانية مالياً وسياسياً وعسكرياً، وإعلانه تلازم المسار والمصير بين مستقبل لبنان والحروب الدائرة في المنطقة، إذ بات الحزب لا يكتفي بما كان يروج له بأن مشاركته في الحرب تهدف إلى حماية الحدود اللبنانية، انما ربط مصير لبنان بمصير سوريا والعراق.

ثانياً: الربط بين الإرهاب واللاجئين السوريين، فلم تعد القوى السياسية التي تدور في فلك “حزب الله” تكتفي بالإشارة إلى موضوع اللاجئين كعبء إقتصادي واجتماعي على الدولة اللبنانية، إنما أصبحت تروج أن تجمعات اللاجئين تشكل خطراً ديموغرافياً وثقاقياً وأمنياً على الوجود المسيحي في لبنان، وتعمل على لصق الجريمة من سرقة واغتصاب وعنف باللاجئ السوري. وجاءت تفجيرات القاع لتدعم هذا الخطاب.

ثالثاً: دعوة المجتمع الأهلي إلى التسلح دفاعاً عن الذات ودعماً للجيش. ربما من حق أهل القاع حمل السلاح إذ كان الخطر داهماً على أرضهم، لكن السماح بانتقال المقاتلين المدنيين من غير أهل القاع إلى القاع دفاعاً عنها ليس مقبولاً وربما يدفع جميع اللبنانيين لاحقاً إلى التسلح بحجة وجود تجمعات لللاجئين (كونها مصدر الإرهاب). وإذا ما انتشرت ظاهرة التسلح وأياً تكن مبرراتها من دعم الشرعية إلى الحفاظ على الأمن ستكون بداية لتقويض دور المؤسسات العسكرية والأمنية لمصلحة منظومات الأمن الذاتي.

وما أشبه شيطنة تجمعات اللاجئين السوريين اليوم وتقديمها كمصدر للجريمة والإرهاب بما شهده لبنان في سبعينات القرن الماضي من شيطنة مخيمات اللجوء الفلسطيني وما أشبه دعوات الأمن الذاتي اليوم بدعوات الأمس، حين قام “حزب الكتائب” في العام 1970 تحت شعار دعم الشرعية والدفاع عن لبنان ومنع التوطين بتأسيس قوى “نظامية” عسكرية. وكانت بداية الميليشيات.

إن مناخ الخطاب السياسي الذي نشهده اليوم وما يرافقه من أحداث أمنية يخدم بشكل مباشر أهداف “حزب الله” عبر جر لبنان بمختلف فئاته إلى مواجهة مع ما يسمى التكفير العالمي، وبإظهار الجيش والقوى الأمنية بمظهر العاجز وغير القادر على حماية أمن الناس مما يمهد لخلق نماذج مسلحة لن تكون بمستوى الحزب عسكرياً إنما بوجودها يكون الحزب قد برر وجوده من دون أي إحراج وأضفى شرعية شعبية على مشاركته في حرب خارج حدود الوطن.

ثمانية انتحاريين فجروا أنفسهم في القاع، سقط خمسة قتلى من المدنيين وعشرات الجرحى. وربما ستسقط الدولة في قبضة الأنصار والحشود الشعبية.

المصدر : المدن 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى