مقالات

روزانا بومنصف – روسيا تزيد “يدها العليا” في سوريا وتشكّل حلقة بين تركيا وإيران وإسرائيل

اعتبر متابعون سياسيون كثر استبعاد السفير الروسي في دمشق الكسندر كينشتشاك يوم الثلثاء الماضي أن يهاجم النظام السوري كلا من حلب والرقة في المدى القريب، قائلا انه ليس على يقين من شن القوات النظامية هجوما على حلب في المستقبل المنظور، وانه يود ان يحجم ايضا عن اي تكهنات محددة بخصوص تحرير الرقة، بمثابة رسالة وجهتها روسيا الى من يلزم من القوى الاقليمية والدولية، اولا عن انها تضمن ان النظام وحلفاءه على الارض لن يقدموا على هذه الخطوة، وثانيا أن حلب ليست على جدول اعمال التغطية الروسية لأي هجوم، مما يضمن فقدان قدرة النظام وحلفائه على المخاطرة بمثل هذه الخطوة من دون التغطية الجوية الروسية، تحت طائل سقوط عدد كبير من القتلى، كما حصل خلال شهر حزيران.

وهناك من لم يهمل توقيت الموقف الروسي الذي أعقب بأيام قليلة موقفا اعلنه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن الاعداد للمزيد من الحضور لمعركة حلب، لانها كما قال المعركة الحقيقية الاستراتيجية الكبرى. تظهر روسيا انها لا تزال تملك اليد العليا في سوريا من جهة والتي تستطيع ان تبيع الدول الاقليمية خصوصا والدول المؤثرة مواقف او ضمانات في خضم اندفاع ايراني على الارض ما لبث ان اخذ ابعادا جديدة على اثر زيارة قام بها امين المجلس الاعلى للامن القومي علي شمخاني الذي عين منسقا مع روسيا وسوريا للشؤون العسكرية والامنية والسياسية الى موسكو يوم الاثنين الماضي اي قبيل ما اعلنه السفير الروسي في دمشق.

واللافت بالنسبة الى هؤلاء المتابعين تزامن زيارة شمخاني لموسكو الاثنين الماضي مع زيارة قام بها المساعد الجديد لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف للشؤون العربية والافريقية جابر الانصاري والذي حل مكان حسين عبد اللهيان لبيروت، وهي زيارة لم تأخذ حجمها الاعلامي والسياسي قياسا بتزامنها مع التطورات الارهابية التي وقعت في بلدة القاع وأدت الى تسليط الضوء عليها. وليست زيارات المسؤولين الايرانيين غريبة عن لبنان الذي يخصّونه بزيارة بمعدل زيارة كل شهر ونصف أو شهرين، انما مغزى زيارة الانصاري لمحطة خارجية أولى معلنة له، على الاقل، الى لبنان وما قد يكون حمله من رسائل في ضوء التطورات الاقليمية الجديدة. فعلى الخط بين موسكو وتركيا ثمة تطور نوعي انتقل من قمة التوتر والذي تمثل في مواقف روسية قاسية وصولا الى طلب روسيا اجتماعا لمجلس الامن في 23 من شهر حزيران، اي قبل اقل من اسبوع واحد من اعلان ذوبان الجليد بينهما، من اجل البحث في موضوع الجدار الذي تبنيه تركيا على طول الحدود مع سوريا، بذريعة روسيا ان تركيا تبني الجدار على اراض سورية، علما ان الجدار لم تبدأ تركيا ببنائه امس، بل من العام الماضي.

يقول هؤلاء المتابعون انه حين انطلقت ازمات الربيع العربي في بعض دول المنطقة كانت المحورية الثلاثية تتركز على كل من اسرائيل وتركيا وايران وطموح كل منهما في المنطقة. وهذا لا يزال قائما، لكن بعدما دخلت روسيا الحرب في سوريا شكلت هي المحور الذي بدت هذه الدول تدور من حوله انطلاقا من موقعها في الميدان السوري وتأثيرها فيه. فاذا كانت اسرائيل التقطت على الفور اهمية التنسيق مع موسكو منذ لحظة دخولها الى سوريا، فان تركيا التي اعادت تحسين علاقاتها مع اسرائيل بعد قطيعة سنوات عدة مدفوعة بعامل تجاري اقتصادي له مفاعيل سياسية اكيدة لجهة انقاذ تركيا من العزلة التي اصابتها من جهة والضغط في موضوع الاكراد واعتذرت الى روسيا بهدف اعادة العلاقات معها قد تحصد تنسيقا وتفهما افضل من روسيا في موضوع سوريا وخصوصا بالنسبة الى موضوع حلب وجوارها بما لا يصب في مصلحة النظام او ايران ايضا.

وهو امر غير مستبعد، انطلاقا مما يمكن ان تبيعه روسيا ليس لتركيا فحسب بل لدول اخرى، حتى لو لم يكن من ضمن روزنامتها التورط اكثر في الحرب السورية. اذ ان القصف الجوي لدير الزور قبل ايام ايضا ادى الى سقوط عدد كبير من المدنيين ومن بينهم عدد لا يستهان به من الاطفال، بما يمكن ان يرتد على روسيا ايضا، علما ان الموقف من تهدئة المخاوف من هجوم النظام على حلب قد يتصل بجانب منه بما ساهم به القصف الجوي الروسي الكارثي في دير الزور.

في أي حال، هناك ترقب لمؤشرات ايرانية تتصل بامكان ان تكون ايران بدأت تعيد النظر في سياستها السورية على وقع التغييرات الادارية الاخيرة وعلى وقع مواقف نقلت عن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف على هامش منتدى اوسلو في 15 حزيران من النية لحل سياسي في سوريا، مضافا اليه كلام يوحي عدم إمكان أن تكون المركزية لشخص وحيد تتمحور حوله السلطة. وهذا يفتح الباب على تساؤل عن كلام الحزب في لبنان عن الاستعداد لمعركة حلب والتي قد تكون متصلة بالصراع الايراني الداخلي او بكلام سياسي ايراني لا يشهد ترجمة فعلية .

ولكن في اي حال فان روسيا ابرزت اخيرا موقعها اكثر لجهة ان تلعب دورا محوريا في الوصول الى حل سلمي عماده من جهة اظهار القدرة على لجم النظام عن أي مغامرة عسكرية في حلب قريبا (ربما ما لم تطرأ تطورات مغايرة تجعلها تعيد النظر في ذلك) وعماده من جهة اخرى تشكيل موسكو حلقة مؤثرة تربط بين كل من ايران وتركيا واسرائيل.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى