بيّنت نتائج القمة العربية، التي عقدت أمس الإثنين، في العاصمة الموريتانية، نواكشوط، أن المغرب كان على حق، حين رفض استضافتها في شباط/ فبراير الفائت، معللاً ذلك بتجنب تحوّلها إلى «اجتماع مناسباتي»، فضلاً عن أن «الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع العربي الراهن»، وفق ما أعلنت الخارجية المغربية آنذاك.
فالقمة التي اختزلت ليوم واحد وسط خلافات، وقد جاءت دون أدنى التوقعات، على ما كشفت مسودة «إعلان نواكشوط» بنقاطه المختلفة. وعرت حالة العجز العربي حيال التحولات التي اصابت المنطقة، ووضعتها أمام تحديات جمة. والأهم، أن القمة بدت أقرب إلى عهد ما قبل الثورات العربية التي فتحت للشعوب لنوافذ «الأمل» الذي حملت القمة اسمه شكلياً دون أي عناء للبحث عن امكاتية ترجمته واقعاً وفعلاً.
هكذا، تبدى أن ما اتفق عليه وزراء الخارجية العرب وقدموه للقادة للتوقيع عليه هو مجرد «طبخة بايتة» من التصريحات التي لا تقدم ولا تؤخر. تصريحات تعاند الزمن وتتحايل عليه بالانكار والمكابرة، بدلاً من طرح مقاربات تقترح مشاريع حلول لأزمات المنطقة.
الحديث عن «التصدي لكل التهديدات والمخاطر التي تواجه الأمن العربي وتطوير آليات مكافحة الإرهاب أيّا كانت صوره وتعزيز الأمن والسلم العربيين» صار أشبه بمحفوظات أثرية يمكن استخدامها في أي مكان من دون أن تحمل أي معنى أو تحمّل قائلها أي مسؤولية.
أما إعادة جمل إنشائية من قبيل «مركزية القضية الفلسطينية» فهو أمراً يثير السخرية والاستهزاء من كاتبيه وسامعيه ومردديه لأنه صار يُفهم بدلالة عكسية، أي تخل عن كل فعل حقيقي لدعم هذه القضية وللشعب الفلسطيني.
جلّ ما خرجت به القمة هو حديث عن «دعم المبادرة الفرنسية» في الوقت الذي كانت فيه أطراف عربية وازنة مثل مصر تقوم على إجهاض هذه المبادرة من خلال تطبيع وتسجيل نقاط خطيرة لصالح الإسرائيليين (كما فعل وزير الخارجية المصري سامح شكري من لقاء نتنياهو في بيته بالقدس المحتلة) في الوقت الذي يستمر الضغط الإقليمي على السلطة الفلسطينية في رام الله تمهيدا لظهور حالة «حفترية» عبر تمويل الانتخابات المقبلة، وغير ذلك من ممارسات بهدف تصعيد مرشح بعينه، وكذلك الضغط الإسرائيلي والمصري على حكومة حماس في غزة والتضييق على حركة المواطنين والسلع والأموال.
كانت أمراً لافتاً، أيضاً تلك المناشدة لوصول «الأشقاء في سورية إلى حل سياسي» فهذا «التهذيب الدبلوماسي» في الإشارة إلى النظام السوري الذي خاض في غمار دماء شعبه وجعل منه أكبر مجموعة بشرية لاجئة في العالم يشبه في الحقيقة ذلك التطبيع المجاني مع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني.
إن المآل الذي آلت إليه القمّة العربية هو نتيجة طبيعية لصعود المشروع الاستئصالي للثورات العربية والذي رأينا أجلى آثاره في سوريا ومصر، مع تأثيراته الكاشفة في ليبيا، والثمن الفادح للتصدي له في اليمن. ولعلّ تونس هي البلد الوحيد الذي نجا من آثاره التدميرية الهائلة وإن كان ما يزال يتعرّض لأشكال من الإرهاب والضغط الإقليمي والدولي.
لقد برز أمل كبير بعد ظهور الثورات العربية أن نرى برلمانات منتخبة وأجهزة أمن وجيوشا وقضاء وحكومات تعبّر عن آمال شعوبها في التحرر من أنظمة سياسية متغوّلة، ولكنّ موجة الثورات المضادّة أجهضت هذه الأحلام وتعبّر هذه القمة العربية الأخيرة عن حصاد الهشيم.
كان الأولى بمؤسسة الجامعة العربية، حفاظاً على بعض من سمعتها المتهاوية، أن تؤجل مشروعها للقمم العربية، كما فعل المغرب، وترفع شعاراً: «الورشة مغلقة بسبب التصليحات».
المصدر : القدس العربي