مقالات

القدس العربي – «رابعة العدوية»: المذبحة ونتائجها

يوم أمس الأحد مرّت ثلاث سنوات على فض قوات الأمن المصرية اعتصام ساحة «رابعة العدوية» في القاهرة، الذي نظّمه مؤيدو محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في التاريخ المصري، وبذلك أنجز حكم الجيش المصري بقيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي أكبر مذبحة فض اعتصام في التاريخ.

خلّفت المجزرة أكثر من ألف قتيل كما سقط بسببها مئات الجرحى وبدأت إثرها حملة اعتقالات ضخمة لمناصري مرسي وأتباع جماعة «الإخوان المسلمين» الذين سجن أو اختفى قسريّاً منهم الآلاف، وفتحت الباب عمليّاً لنظام عسكريّ ـ أمنيّ باطش ما لبث أن وسّع معركته لتشمل كل من وقف بوجهه من كافة التيارات السياسية وصولاً إلى حقل الإعلام وقطاع الأعمال وحتى كرة القدم.

عكست منصّة «رابعة» الخشبية التي تداول على الوقوف عليها قيادات الصف الأول والثاني للاعتصام وعلى رأسهم مرشد الإخوان محمد بديع وضعاً استثنائيا في الساحة السياسية المصرية قلب مشهد الإجماع العامّ الذي كان حاضراً في ساحة «التحرير» خلال فترة الاعتصام ضد الرئيس المعزول حسني مبارك، إلى مشهد مأساوي لاستهداف جماعة سياسية بعينها.

قامت عناصر الثورة المضادة بتأجيج حملة إعلاميّة ضخمة ضد مرسي وحكومته وجماعة الإخوان ووظفت إشكالات انقطاع الكهرباء والنفط، لكن أكثر الوقائع إيلاماً في حدث «رابعة» كانت تواطؤ أغلب الأحزاب السياسية المصرية مما ساهم في خلق جوّ شعبيّ معارض للإخوان أعطى الإشارة الخضراء لأجهزة الأمن لاستفرادهم.

انكشف وصار واضحاً، بعد ثلاث سنوات على انقضاء الحدث، عدد من الوقائع الهامة:

ـ العلاقة الوثيقة بين هشاشة التقاليد والمؤسسات الديمقراطية السياسية في مصر الذي عبّر عن نفسه بانقياد الأحزاب المخزي لتحالف السلطات العسكرية ـ الأمنية مع رجال الأعمال والإعلام، من جهة، وفاعلية «الدولة العميقة» وقدرتها على التلاعب بالنخبة والجمهور المصريين، من جهة أخرى.

ـ استهداف ما يسمى بتيّار «الإسلام السياسي» هو اتجاه لوقف الآليّة الديمقراطية التي تكسر الاستعصاء الاستبدادي، وهو بالتالي، استهداف لكل التيّارات السياسية التي تستطيع تهديد احتكار النخبة للسلطة.

ـ وجود تيّار كبير عالميّ وإقليميّ يناهض التغيير الديمقراطي في العالم العربي وعلى استعداد لتمويل ثورات مضادّة وهو يناصر الاتجاه الاستئصاليّ إلى النهاية ومهما كانت التكاليف.

ـ ساهم إسقاط حكومة مرسي المنتخبة في تشجيع تيّار عربيّ عامّ وأعطى شرعيّة للنظامين السوري والعراقيّ مما ساهم في انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» ودفع اتجاهات كان «الإسلام السياسي» قادراً على احتوائها نحو التطرّف، يأساً من إمكانيات التغيير الديمقراطي أو انتقاماً لما يحصل في مصر والعراق وسوريا.

ـ تظهر الاختلالات البنيوية الحادّة في الوضع المصري أن كسر الديمقراطية وسيادة الاتجاه الأمني سياسياً صار معادلة غير قابلة للحلّ وأن ما حصل في مصر كان مقامرة كبرى يدفع المصريون الآن ثمنها الباهظ.

المصدر : القدس العربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى