مقالات

محمد صالح – لماذا يسبون الله ؟

سألني أحد المؤيدين لنظام بشار الأسد عن حالة لدى بعض ضباط الجيش السوري وجنوده هي استمراءُ ألسنتهم الإساءة إلى الذات الإلهية.

السائل يرى أن هذه الإساءة لا تليق بأفراد جيش مقاوم اتخذ الممانعة نهجا منذ أربعين عاما، ويعتقد أنه لولا هذه المثلبة الوحيدة لارتقى أفراد الجيش السوري إلى المرتبة الأخلاقية التي يتمتع بها أفراد حزب الله اللبناني.

جنح الحديث بنا هنا وهناك فاستطرد سائلي اللبناني مستذكرا أيام الوجود السوري في بلاده: أوقفوني مرة ومعي خطيبتي في السيارة، أطرق العسكري برهة ثم طلب مني شريط عمرو دياب، لا أملك أن أرفض، أخذ الشريط وطلب نظارتي الشمسية، ناولتها له وكل ما أرجوه هو ألا يهين كرامتي أو يعتدي على خطيبتي.

ثم سألني: عندك متة (مشروب منبه يعرفه السوريون واللبنانيون والأميركيون الجنوبيون)؟ فقلت لا. طلب مني أن أذهب إلى أقرب متجر لآتيه ببعض المتة، وحتى يضمن عودتي طلب أن أترك خطيبتي معهم على الحاجز لكنه من حسن حظي اقتنع بأن يحتفظ بهويتي وإجازة القيادة وبعض النقود رهينة لديه بدلا من خطيبتي.

لم يجد سائلي حرجا في التناقض بين قصته تلك وتأييده للنظام السوري فالممانعة تجبّ ما قبلها وما بعدها، وجرائم حزب الله وحليفيه الإيراني والسوري بحق السوريين ليست في نظره إلا دفاعا عن منظومة المقاومة في المنطقة. لكنّه بقي مستهجنا تلك الإساءة: كيف يسبون الله وهم أشقاء الإيرانيين وحزب الله في السلاح والدرب؟

والحقيقة أنّ تلك الإساءة نتاج لنهج محاربة الدين التي نهجها النظام أيام حافظ الأسد واستمرت إلى يومنا هذا بما فيها تسطيح الدين وتسليط فروع الأمن لتطويع القائمين على المراكز الدينية، ووضع مخبرين في أكشاك لبيع التبغ والخمور على مقربة من المساجد مهمتهم تسجيل أسماء المواظبين على الصلوات وخاصة صلاة الفجر.

أذكر أنني زرت السفارة السورية بلندن في رمضان عام 2007 لتخليص بعض الأوراق، هرع إليّ موظف أمني على الباب بعلبة من الحلويات الشامية، اعتذرت بأني صائم فامتعض الرجل: أنت من الذين يصومون؟؟!

ما يلزمه الإيضاح هنا هو أنّ الإساءة للدين والذات الإلهية لا تُرد إلى انتماء طائفي أو ديني إنما تُنسب إلى فئة تتماهى مع النظام ويقوم هذا الأخيرة على وجودها كما تقوم على وجوده وهي تضم أفرادا من كل أطياف المجتمع السوري، هذه الفئة هي ذاتها التي عملت أيام حافظ الأسد على تأليه الرئيس وتضخيمه في وعي السوريين والتقليل من أهمية أي شيء آخر.

اليوم وقد بلغت الأحداث الدموية والأمنية في سوريا مبلغها وصارت حواجز النظام الاستخباراتية والعسكرية تقطع أوصال المدن والقرى يعلم السوريون في الداخل أنه ليس من حسن التدبير أن تبادر أفرادَ الحاجز بعبارة “السلام عليكم” فتلك أيضا ستضعك في زمرة الذين يقولون “السلام عليكم”.

المصدر : مدونات الجزيرة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى