مقالات

سركيس نعوم – سوريّا كلينتون وترامب وجهان لعملة واحدة!

عندما أمر رئيس تركيا رجب طيب أردوغان قوّاته المسلّحة بدخول شمال سوريا بموافقة ضمنيّة من واشنطن وموسكو، فإنّه كان ينظر أبعد قليلاً من مُقاربة الرئيس باراك أوباما للحرب على “داعش” ولإنهاء الحرب السوريّة. هذا ما يقوله مُتابعون أميركيّون وباحثون عرب جدّيون، ويضيفون إليه أن قرار “العبور” بُني على مُعطيات تُفيد أن الرئيس الأميركي المقبل، أيّاً يكن سيتّخذ موقفاً أكثر عدائيّة من “داعش” وأشباهه، ولن يعترض على تأسيس تركيا منطقة آمنة شمال سوريا وغرب نهر الفرات. علماً أن القوّات التركيّة تجاوزت في “عبورها” حدود المنطقة التي حدّدها أردوغان لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن في زيارته الأخيرة لأنقرة. ويبدو استناداً إلى هؤلاء أن رئيس تركيا مستعد لانتظار انتهاء ولاية أوباما لتحديد خياراته النهائيّة مع خلفه الذي سيجري تقويماً دقيقاً للسياسة الأميركيّة في العراق وسوريا.

ماذا سيتغيّر في هذه السياسة إذا فازت كلينتون أو ترامب؟

يذكُر المتابعون والباحثون أنفسهم أن الوزيرة كلينتون دعت إلى مُقاربة سورية تقوم على تسليح مُبكّر للمجموعات المعارضة. لكن أوباما رفضها. وهي في مُقاربتها كانت مُتحالفة مع وزير الدفاع روبرت غيتس ثم ليون يانيتا ومع الجنرال دايفيد بتريوس ورئيس الأركان المشتركة الجنرال مارتين دمبسي. ورغم اختلاف دوافع هؤلاء فإنّهم اتّفقوا أن أفضل خيار لسوريا هو إخراج رئيسها الأسد من السلطة من دون “عسكر” أميركيّين على الأرض. وناقشوا الخطوات المحقّقة لذلك ومنها تدريب المعارضين وبرنامج تسليحهم.

وفي حينه لم يكن “القاعدة” عاملاً مهمّاً في سوريا، كما لم تكن وُلدت بعد دولة “الخلافة الإسلاميّة”. وبعد مغادرتها الوزارة وانخراطها في الإعداد لحملتها الرئاسيّة تحدّثت كلينتون عن الحاجة إلى منطقة آمنة شمال سوريا. علماً أن أعضاء في “حلقتها الضيّقة” اتّخذوا موقفاً أكثر تشدّداً حيال الحرب على “داعش” في العراق وسوريا. كما شكّلوا أكثر من مركز بحثي يهتمّ بهذه الموضوعات. وقد كان أحد تقاريرهم انتقاديّاً وبقسوة لسياسة أوباما ضد “داعش” ومُفسحاً في المجال أمام العمل الناجح لسوريا وإيران وروسيا. ثم دعا إلى برنامج أكثر عدائيّة وطموحاً يقوم على بقاء قوّات مُعتدلة مُقاتِلة للأسد وتمكينها من السيطرة على مزيد من الأراضي السوريّة. كما دعا أميركا إلى استعمال محدود للقوّة ضد الأسد ومُسلِّحٍ لكل مقاتلي المعارضة وليس فقط الذين يستهدفون “داعش”. وفي موضوع المنطقة الآمنة دعا التقرير نفسه إلى مناطق تُسيطر عليها قوّات المعارضة ويُحظر قصفها.

إلى ذلك، شدّد التقرير على مواجهة فاعلة لأعمال إيران المُزَعْزِعَة للمنطقة وعلى التعاون الوثيق مع مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال وفي مجالات أخرى. طبعاً وجّه التقرير انتقادات واسعة لسياسة أوباما الفاشلة في العراق وسوريا. ويلفت المُتابعون الأميركيّون والباحثون العرب هنا إلى أن المُنتمين لهذا الفريق المُتنوّع المُتعاون مع كلينتون يُرجِّح أن يصل أحدهم أو إحداهن إلى وزارة الدفاع. لكنّهم يلفتون في الوقت نفسه إلى أن فريق المرشّح الجمهوري ترامب لا يخلو من قيادات سياسيّة وعسكريّة تركت الخدمة احتجاجاً على سياسة أوباما. فالجنرال مايكل فلنّ ترأّس الـ DIA (وكالة استخبارات وزارة الدفاع) سنتين.

وفي الـ 2014 سرّحه منها “الرئيس” لانتقاده سياسته الضعيفة حيال الإرهاب. وكان شَغَلَ قبل ذلك منصبَيْن استخباريَّيْن مُهمَّيْن. وفي منصبه الأوّل أصدر تقريراً عام 2012 حذَّر فيه من احتمال إقامة خلافة إسلاميّة انطلاقاً من مناطق في سوريا والعراق يمكن أن يُسيطر عليها “القاعدة”. الجنرال فلنّ هذا مستشار أساسي لترامب. وقد لقي استقبالاً شعبيّاً حماسيّاً يوم ألقى خطاباً في “المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري” هاجم فيه أوباما وكلينتون في وقت واحد. كما شارك في وضع مخطوطة لكتاب يدعو أميركا إلى تنظيم مواردها لشنّ حرب شاملة على الإرهاب في العالم تقضي باستئصال أو إبادة أو مَحْوِ مخيّمات التدريب على ممارسته.

في أي حال لا يمكن اعتبار الخطابات والمخطّطات وأوراق العمل والتقارير ضمانات لتغيير دراماتيكي في السياسة الأميركيّة في عهد الرئيس الجديد في البيت الأبيض أيّاً يكن. إلّا أنّها تُقدّم خريطة طريق لتغييرات متوقّعة أو بالأحرى محتملة. وانطلاقاً من ذلك يُمكن الإشارة إلى أن الخطوات المحسوبة لأردوغان في اتّجاه “المنطقة الآمنة” شمال سوريا تسير على أرضٍ صلبة، وإلى أن على إيران وروسيا العودة إلى الواقعيةّ.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى