بقي شهر من عمر ولايتين رئاسيتين، أمضاهما الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في البيت الأبيض. في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، سوف يختار الأميركيون خليفته الذي سيعيش معه العالم أربع سنواتٍ، وربما ثماني. خلال الفترة الرئاسية المقبلة، سوف نتذكّر الرئيس الحالي المنتهية ولايته كثيراً، لأننا سنقارنه كل يوم بمن جلس على كرسيه، سواء السيدة هيلاري كلينتون أو الملياردير المهرّج دونالد ترامب.
ومنذ اليوم الأول لتسلمه الحكم، سيجد الرئيس الأميركي المقبل نفسه في وضعٍ لا يحسده أحد عليه، لأنه سيلقى أمامه تركةً ثقيلة من المشكلات والأزمات الدولية المعقدة، عليه أن يجد حلولاً عاجلة لها، وهي جميعها تقع في منطقة الشرق الأوسط، وتتركّز في ملفاتٍ تركها أوباما تتفاقم، حتى وصلت إلى الذروة، وباتت قابلةً لأن تهدّد العالم ككل.
جاء أوباما إلى البيت الأبيض، ووجد أمامه فوضى دولية لا حدود لها، خلفها أسلوب عمل الرئيس الذي سبقه جورج بوش، والناجمة عن أخطائه الجسيمة في احتلال العراق بذريعة الحرب على الإرهاب، وأول ما قام به أنه حاول أن يعيد تنظيم هذه الفوضى بالانكفاء إلى الداخل الأميركي، وعدم حسم الموقف على أكثر من جبهةٍ خارجية، فكانت النتيجة أنه أوجد بؤر نزاعاتٍ لن تجد حلولها في المدى القريب، وباتت تحتاج إلى أكثر من ولايةٍ رئاسيةٍ أميركيةٍ واحدة.
سيكون موقف الرئيس الأميركي القادم أصعب من وضعي بوش وأوباما حين تسلما مقاليد الحكم، فليس في وسعه اتباع استراتيجية أحدهما، سواء في الهجوم على طريقة بوش، أو الانسحاب حسب وصفة أوباما. وسيكون مجبراً على أن يعود إلى التوازن الذي قامت عليه السياسة الأميركية منذ الحرب العالمية الأولى، وتبلور، على نحو واضح، خلال فترة الحرب الباردة. ومن المؤكد أنه لن يكون في نية الرئيس الجديد خوض حربٍ عالميةٍ مع روسيا، لكنه لا يستطيع في الوقت نفسه، أن يكون منبطحاً إلى حد أن مصالح الولايات المتحدة الخارجية باتت مهدّدة على مستوى العالم، عدا عن اختلال التوازن الدولي على نحو شاذ جداً من خلال نشوء قطب دولي واحد، بقيادة شخصية مافيوزية، مثل فلاديمير بوتين، قد يقود العالم كله إلى الهلاك، فهذا الرجل يعاني من اختلال أخلاقي وسياسي كبير، يمنعه من التحكّم بمواقفه وسلوكياته، وتبرهن حربه ضد الشعب السوري على أنه بات لا يعير انتباهاً لأي رد فعل دولي، ولا يقيم اعتباراً لأي نتيجةٍ تترتب على المجازر التي يرتكبها جيشه في سورية.
لن يكون في وسع أميركا أن تفكّ علاقتها بالعالم العربي بقرار، فمثلا العلاقات الأميركية السعودية ليست وليدة اليوم، ليجري فصم عراها. ولم يأت الأميركيون في الخليج في الأمس، فمصالحهم في حساب استقرار هذه المنطقة، وتحولها إلى دول ذات سيادة وحدود، كما أن انتصار المشروع الروسي في سورية لن تقف تداعياته عند حدود هذا البلد، بل سوف تؤثر على موقع الولايات المتحدة العالمي، وخصوصاً في شرق آسيا، وداخل حلف الأطلسي المهدّد بخسارة تركيا كأقوى ثاني جيش في الحلف.
وصف الكاتب الفرنسي المعروف، مارك إدوارد ناب، الرئيس أوباما بأنه “الزنجي المزيّف”. وبذلك أراد أن يسقط الأوهام التي نسجها الرأي العام حول تأثير ثقافة الزنوجة على تفكير أوباما وتعاطيه مع القضايا المحلية والدولية، ذلك أن بعضهم انخدع بخطابه البراق عن صلاته الروحية بزعيم حركة تحرير الزنوج، مارتن لوثر. ولكن، تبين أن هذا الرجل يستحق التصنيف في سجل أصحاب الضمائر الميتة. ومرد صدمة الرأي العام العالمي منه أنه لم يكن في وسع شخص آخر، لو كان في محله، أن يقف هذا الموقف البارد والمخادع من محرقة الأطفال السوريين.
المصدر : العربي الجديد