بحسب التسريبات الصادرة عن اجتماع مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض (14 أكتوبر)، فإن إدارة الرئيس باراك أوباما لا تبدو مستعدّة لإجراء أي تغيير أو تعديل في سياستها لحسم الصراع السوري، لا بالوسائل العسكرية ولا بالوسائل السياسية، خاصة مع تمسكها بمجرد خفض مستوى العنف وإدخال المساعدات الإنسانية ومحاربة الإرهاب والتفاهم مع روسيا.
الصراع السوري سيبقى في حال استعصاء لأن الولايات المتحدة، هي وحدها القادرة على فرض الحسم في أي اتجاه، في حين أن الأطراف الأخرى لا تستطيع ذلك لوحدها، بدليل أن روسيا تحاول ذلك بقصف جوي منذ أكثر من عام دون أن تحقق شيئا.
واضح أن هذه الإدارة ليست في عجلة من أمرها، لا سيما وأنها تعتقد بأنه لا يوجد ما يؤثّر أو يثقل على الولايات المتحدة، جرّاء هذا الصراع، لا سياسيا ولا أمنيا ولا اقتصاديا، ولا لناحية مكانتها الاستراتيجية الدولية، والشاهد أن كل الأطراف تتوجه إليها، أو تنتظر كلمتها النهائية، وفي المقدمة روسيا.
ثمة تفسيران لهذه اللامبالاة أو الفرجة الأميركية، إزاء ما يجري، أولهما، أن الولايات المتحدة تبدو مشغولة باستنزاف القوى الأخرى، التي تحاول مناكفتها على الصعيدين الدولي والإقليمي، وهذا يشمل روسيا وإيران وتركيا والبعض من الدول العربية، لذا فهي في هذه الحال معنيّة بإضعاف هذه القوى وإنهاكها، وإبقائها في مواجهة بعضها، لا سيما وأنها لا تدفع شيئا من كيسها جراء هذا الصراع، لا بشريا ولا ماديا.
وثانيهما، أن الصراع الجاري في هذه المنطقة يؤدي إلى إضعاف دولها وتقويض وحدة مجتمعاتها ما يفيد إسرائيل، التي باتت بمثابة الدولة الأقوى والأكثر استقرارا وقدرة على الحياة في المنطقة. وفي الواقع فإن كل التطورات منذ غزو العراق (2003) وفسح الولايات المتحدة المجال واسعا لصعود النفوذ الإيراني في المنطقة، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا، إنما تصبّ في صالح هذه الاستراتيجية، التي اضطلعت فيها إيران بدور كبير، ما يفسّر كل هذا التسامح معها، أي مع برنامجها النووي (بالقياس مع العراق)، ومع تدخلاتها الميليشياوية الطائفية المسلحة (بالقياس مع حالات أخرى) سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن.
ربما ثمة من يعترض على هذين التفسيرين، لكن تفحّص الأمور لا يفتح على تأويلات أخرى، إذ لا يمكن فهم سكوت الولايات المتحدة أو لامبالاتها إزاء كارثة نجم عنها مصرع حوالي نصف مليون سوري، وتشريد أكثر من عشرة ملايين منهم، كما نجم عنها تمدد روسيا وإيران في المشرق العربي، وبالوسائل العسكرية، أو بما بات يعرف بـ”احتلال روسي وإيراني لسوريا” (ناهيك عن الاحتلال الإيراني للعراق). وعلى الأقل فإن أحدا لم يأت حتى الآن بكلام آخر يفسّر سياسة “اللامبالاة” الأميركية، إذا تجاوزنا الكلام المبسّط عن الاستدارة الأميركية من الشرق الأوسط، إلى المنطقة الهندية ـ الصينية، أو الانكفاء الأميركي إلى الداخل.
نحن إزاء استعصاء في الصراع السوري ذلك أن الطرف الروسي، وهو أهم طرف، يقف مع نظام الأسد ومازال يصرّ على تعويم النظام وتجديد شرعيته، ومازال لا يملك إلا الحل العسكري لفرض إملاءاته السياسية على أغلبية السوريين وعلى المعارضة السورية. ومشكلة روسيا أن الطرف الأميركي لا يبالي بذلك، ولا يبدي أي استعداد لمساومة روسيا في الملفات الأخرى (أوكرانيا، الدرع الصاروخي، أسعار النفط، الحظر التكنولوجي)، بل إن الولايات المتحدة تبدو مرتاحة لمزيد من الغرق الروسي في الصراع السوري.
ما ينطبق على روسيا ينطبق على إيران، التي لا تقبل بأقل من محو المعارضة السورية وبقاء الأسد، والمضي في التغيير الديموغرافي الطائفي في سوريا، لكنها باتت أضعف من قبل، أي أنها لم تعد تتحكم بمصير النظام السوري، بعد أن دخلت روسيا على الخط وباتت هي صاحبة الورقة السورية. أما تركيا، وهي الأقرب إلى المعارضة السورية، فيبدو أن لها أولويات أخرى من ضمنها محاربة داعش والحؤول دون قيام كيان للأكراد على تخومها الجنوبية، وصوغ معادلات تتيح لها فرض البعض من أجندتها في سوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة أو مع روسيا.
في كل الأحوال يبدو النظام العربي غائبا عن معادلات الصراع السوري العسكري أو السياسي، إن بحكم ضعفه أو بحكم تشتت أطرافه، وفي الغضون يدفع السوريون ثمن الصراع الإقليمي والدولي في سوريا وعلى سوريا، وضمن ذلك ثمن التغيير الديموغرافي، وكل ذلك بانتظار لحظة الحسم الأميركي.
المصدر : العرب