اقترب “الهلال الشيعي” للمرة الأولى من التمام جغرافياً. يخوض الجيش العراقي معركة حاسمة لاستعادة الموصل، المدينة الواقعة في منتصفه تقريباً، من “الدولة الإسلامية – داعش”. لا شيء يوحي بأن النيران الهائلة في سوريا ستأتي قريباً على نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق. يمكن التثبت من رؤية الهلال من طهران وبغداد كما من دمشق وبيروت.
لا بد من إعادة قراءة السياق الذي مكّن ايران من بسط نفوذها الواسع عبر هذه المنطقة وأبعد منها. لم يولد من رحم “القوة الناعمة” للجمهورية الإسلامية غير المعروفة بنعومتها. صحيح أنه لم ينشأ بمبدأ تصدير الثورة التي قادها آية الله روح الله الخميني، بيد أنه تكوّن في مراجل الحروب المتعددة. كان بعضها باسم الحرب مع اسرائيل، وبعضها باسم الحرب مع الاستبداد، وبعضها باسم الحرب على الإرهاب.
بدأت معالم هذا الهلال تظهر ليس من إخفاقات الحرب الإيرانية – العراقية في الثمانينات من القرن الماضي، بل من الخطوات العسكرية الاستثنائية التي اتخذتها الولايات المتحدة عقب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها في 11 أيلول 2001. جاءت الهدية الأولى بإطاحة حكم “طالبان” المدعوم من تنظيم “القاعدة” الديني الإرهابي في أفغانستان. أتت الهدية الثانية من تحطيم حكم حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة صدام حسين. نجح الاستثمار البعيد والعميق في الحرب مع اسرائيل بواسطة “حزب الله” في لبنان.
لم يتوقف نهم النفوذ والسيطرة عند هذا الحد لإيران التي دأبت على استعادة دورها الكامل في المنطقة والعالم بعد سنوات طويلة من الحصار والعزل. قدمت تنازلات في سياق مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى التي باركت العودة الى المجتمع الدولي، على رغم استمرار “المآخذ” على سجلات ايران الداخلية والخارجية.
نجحت القيادة الايرانية في سياسات “الاستئساد” على وقع تصاعد التوترات والنزاعات السنيّة – الشيعية. تضطلع بدور رأس حربة في الحرب الدولية على الإرهاب في سوريا والعراق، مستفيدة بصورة بالغة الاستثنائية من الإجماع الدولي على ضرورة دحر “داعش” و”جبهة فتح الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) وغيرهما من الجماعات التي تعتنق مذهب “القاعدة” الإرهابي والقضاء عليها. زجت كل الميليشيات المنضوية تحت عباءة الولي الفقيه، وفي مقدمها “حزب الله” و”الحشد الشعبي” وغيرهما من التنظيمات الحسينية والزينبية عبر العالم، من أجل هذه المعركة الحاسمة.
“الهلال الشيعي” الذي حذر منه الملك عبدالله الثاني بن الحسين، في حديث الى صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية قبل نحو 12 عاماً، لم يعد مجرد مصطلح سياسي. الحكومة في العراق والنظام السوري جزءان من “الهلال الشيعي”، ولا شك في أن كثيرين يعتقدون أن حلم الجنرال ميشال عون ما كان ليتحقق اليوم لولا عون “الهلال الشيعي”.
المصدر : النهار