ليس غريباً أن تسعى إيران إلى تقديم نفسها “أم العروس” في الاستحقاق الرئاسي في لبنان. لطالما حاولت فرض نفسها لاعباً أساسياً في أي استحقاق من لبنان إلى اليمن مروراً بسوريا والعراق. وفي كل مرة، لم تغفل طبعاً إدراج تدخلها في خانة الانتصار للمقاومة الاسلامية، وهو ما فعلته أيضاً مع فوز العماد ميشال عون بالرئاسة اللبنانية!
الامر الوحيد الذي فات مستشار المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية علي أكبر ولايتي في تهنئته للمنتصرين، وهم في رأيه “حزب الله” وإيران والرئيس بشار الأسد، هو أن انتخاب رئيس لبنان انتصار للبنان في المقام الأول. لبنان الذي ورطته إيران في مستنقع الحرب السورية هو المستفيد الأول من انتخاب رئيس، مسيحي تحديداً، في ذروة الاقتتال الطائفي الذي يجتاح المنطقة، واستنفار الوحش الداعشي في مواجهة جيوش العالم التي تدعي محاربته.
فوقت تقرع طبول حرب عالمية تكون المنطقة إحدى ساحاتها، وفيما تحشد القوى الكبرى اساطيلها النووية وغير النووية على ضفاف المنطقة، وتحتدم الجبهات من حلب والموصل الى عدن وغيرها، يذهب لبنان للمرة الاولى في الاتجاه المعاكس. وعلى رغم كل الرهانات على أن الشغور باق ما لم تحسم الحرب في سوريا، أثبت لبنان مجدداً أنه استثناء في المنطقة. وبدا المشهد الديموقراطي في البرلمان مفرحاً، بما فيه الصوت “الشبح” الذي أضفى على الجو تشويقاً.
لا أحد يتوهّم، لا في لبنان ولا خارجه، أن الرئيس اللبناني صنع في لبنان. هذا الشعار الذي تباهى به البعض من باب التمنيات ربما أو رغبة في اضفاء أجواء من التفاؤل، لم يصمد كثيراً. بوانتاجات الرابحين والخاسرين انطلقت أصلاً قبل إتمام الاستحقاق. الكلّ يعرف جيداً أن لبنان الصغير لا يزال مهماً في مصالح الكبار، وأن الشغور كان ممكناً أن يستمر لولا أضواء خضر، لا ضوء واحداً.، من أطراف إقليميين وربما أبعد أيضاَ. لكن المؤكد أن كثيرين ممن ساهموا في انجاز الاستحقاق لم يفعلوا ذلك انتصاراً للمقاومة الاسلامية ولا للأمين العام لـ”حزب الله” ولا لأصدقاء إيران، ولا للرئيس السوري بشار الاسد.
كان العماد عون حذراً في خطاب القسم حيال التحديات التي يواجهها لبنان، وفي مقدمها الحرب السورية. وهو يعرف تماماً هشاشة “شعبه العظيم” أمام فخاخ الساحة السورية. ومع أن أحداً لا يتوقع منه إقناع “حزب الله” بالعودة من ذلك المستنقع، يحبس اللبنانيون ومعهم العالم أنفاسهم أمام عهد جديد يواجه أمواجاً عاتية لن يكون قادراً على مواجهتها، الا ببناء “السدود” وتحصين الداخل بدل الغرق في بحور ليس مهيأً للابحار فيها.
المصدر : النهار