صرح الأمين العام لحلف الشمال الأطلسي في البيان الذي ألقاه بعد اجتماع وزراء دفاع دول الحلف أنه يرى في روسيا تهديداً لهم وأنهم لا يريدون أن تكون حرب باردة جديدة.
ولكن سياسة حلف الشمال الأطلسي في أوروبا الشرقية ودول البلقان وفي البحر الأسود تستحضر أيضاً روح الحرب الباردة ودور روسيا في أوكرانيا وضم القرم وحدود البلطيق فضلاً عن تعزيز القوات الروسية في المنطقة الواقعة بين لتوانية وبولونيا كلها علامات جديدة تبين أن الحرب الباردة قد بدأت بالفعل.
وتعددت جبهات المواجهة بين حلف الشمال الأطلسي وروسيا وكان شرق البحر المتوسط واحدة منها وإذا نظرنا إلى هذه التطورات نلاحظ أننا نشاهد جهد مبذول لتغذية حرب باردة غير معلنة.
وكلمة الحرب الباردة تشير إلى القطبين المتمثلين بالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وتستحضر عالماً محفوف بالمخاطر والترهيب والتهديدات النووية لذلك فإن كلمة الحرب الباردة تعبير معيب ولأن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى روسيا قوة تعادل قوتها فتلجأ إلى التهرب من كلمة الحرب الباردة.
وإعادة توزيع السلطة السياسية في العالم وتقاسم الدور العالمي مع الولايات المتحدة، كما حصل مع الاتحاد السوفياتي خلال فترة الحرب الباردة هو نوع من اللباس الذي لا يناسب روسيا واتخاذ نهج تصغير حجم روسيا عالمياً من شأنه إفساد خطط بوتين لذلك يقوم بوتين بالرد على الولايات المتحدة بتصريحات نارية وقوية للاعتراف بروسيا كقوة عالمية على قدم المساواة بينها وبين الولايات المتحدة.
وفي الأسبوع الماضي في مدينة سوشي وخلال اجتماع “مناقشة نادي فالداي” عطف بوتين على الدور الإيجابي لخطة مارشال التي تعد من أول المواجهات التي كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.
حيث قال بوتين خلال الاجتماع ” احتواء الدمار الهائل في منطقة الشرق الأوسط يتطلب تنفيذ برامج شاملة وعلى المدى الطويل ومن أجل إحياء وتنمية المنطقة نحن محتاجون إلى خطة مارشيل حديثة.
دعونا نعود قليلاً إلى الوراء، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قسمت أوروبا إلى مناطق نفوذ بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
وخضعت أوروبا الشرقية بما فيها من قسم المانيا الشرقي إلى الاتحاد السوفيتي وبدأت الأنظمة الشيوعية بالظهور في منطقة البلقان عدا اليونان.
وبدأت الولايات المتحدة بحملة “برنامج التعافي الأوروبي” لتضم تحت اسم الحملة الدول الأوروبية المنهارة الاقتصادية والتي لا تريد انتشار الشيوعية فيها ويشار إلى هذه الخطوة باسم خطة مارشيل لأنه أول من قام بالإعلان عنها هو وزير الخارجية الأميركية آنذاك جورج مارشيل وكانت خطة مارشيل التي ساعدت على احتواء السياسة السوفيتية في أوروبا هي أول أسباب بدء الحرب الباردة.
وعرف الاتحاد السوفيتي خطة مارشيل على أنها أداة للإمبريالية وكان أول رد له عليها عن طريق إنشاء “مجلس المساعدات الاقتصادية المتبادلة ” في كل من هنغاريا ورومانيا وبولندا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وانضم في وقت لاحق كل من البانيا وألمانيا الشرقية إلى المجلس.
فكانت ثاني خطوة للولايات المتحدة في الحرب الباردة هي إنشاء حلف الشمال الأطلسي فكان رد الاتحاد السوفيتي عن طريق إنشاء حلف وارسو الذي ضم كلاً من ألبانيا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية والمجر وبولندا ورومانيا.
وواصلت الولايات المتحدة والغرب من جهة والاتحاد السوفييتي من جهة أخرى لعبة الحرب الباردة عن طريق توترات وتحركات على الصعيد الاقتصادي والعسكري ما يقارب الـ 40 سنة.
فهل يحاول بوتين عندما يشير أن الشرق الأوسط بحاجة إلى خطة مارشيل جديدة أن يقول للولايات المتحدة أن المنطقة دُمرت بسبب سياسات القوة الإمبريالية؟ والذي دمر الشرق الأوسط كيف سيحاول أن يبنيه من جديد؟
وهل المسألة مجرد هدم البناء من أجل إعادة إعماره من جديد بما يخدم اتفاقية سايكس بيكو الجديدة التي تلوح بالأفق؟
المصدر : صحيفة يني شفق التركية ؛ ترجمة وتحرير وطن اف ام