مقالات

روزانا بومنصف – فصول متواصلة من التجاذب الأميركي – الروسي وجدل حول تأجيل عملية سلمية ليست قائمة

أثارت موسكو موقفا جدليا جديدا مع واشنطن في ضوء إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو تأجيل العملية السياسية وعودة الحياة السلمية في سوريا الى أجل غير مسمى، لارتباطها كما قال بالقضاء على الارهاب، في إشارة الى اتهام واشنطن بعدم الفصل بين المعارضين في حلب.

ورد عليه البيت الابيض بأن واشنطن تبذل قصارى جهدها للوصول الى مفاوضات بين الاطراف السورية. والاخذ والرد بين الدولتين يندرجان وفق أوساط ديبلوماسية في أحد فصول التجاذب التي غدت متعددة في الآونة الاخيرة بين الولايات المتحدة وروسيا على خلفية الحرب السورية، على أثر انهيار وقف العمليات العدائية الذي تم التوصل اليه بين الجانبين في شكل خاص، علما أن هذه التجاذبات كانت قائمة أيضا قبل ذلك. وهذه الفصول من التجاذب الذي يشتد ويخفت وفقا لوتيرة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا خصوصا، مفتوحة قنواتها على مستويات عدة ومن بينها في مجلس الامن، خصوصا في الآونة الاخيرة مع لجنة مراقبة الاسلحة الكيميائية التي أفضت المفاوضات الصعبة الى تجديد مهمتها أسبوعين فقط منذ مطلع الشهر الحالي، نتيجة اعتراض روسيا على النتيجة التي توصلت اليها، والتي تتضمن اتهام النظام السوري باستخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه ثلاث مرات على الأقل، على أن يتم التوصل الى تسوية بين واشنطن وموسكو في موضوع تمديد عمل اللجنة خلال هذين الاسبوعين. وتمتد الفصول الاخرى الى واقع اتهام روسيا بالتدخل في الانتخابات الاميركية، مما يزيد وطأة التوتر بين الجانبين.

إلا أن موقف وزير الدفاع الروسي من تأجيل العملية السياسية في سوريا الى أجل غير مسمى يثير تساؤلات من حيث المبدأ عن المغزى من إطلاقها، انطلاقا من واقع أن المفاوضات السلمية بين النظام السوري ومعارضيه متوقفة منذ أشهر، وليس في الافق ما يوحي بإمكان استئنافها، في حين أن الانهيار السريع لاتفاق وقف الاعمال العدائية الذي كان توصل اليه وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في 3 ايلول الماضي، لم يترك مجالا واسعا للاعتقاد أن حلا سياسيا محتملا في المدى القريب يمكن التوصل اليه، انطلاقا من أن انهيار وقف النار لن يسمح بالذهاب الى مفاوضات بين الجانبين السوريين. أضف الى ذلك فشل المفاوضات المتعددة التي عقدت في لوزان أخيرا، وجمعت بعض الدول الاقليمية الى جانب واشنطن وروسيا خلال الشهر المنصرم، والتي حفزتها عمليات القصف التي يقوم بها النظام مع حلفائه والجانب الروسي على حد سواء.

وواقع الامر أن العملية السياسية في سوريا متوقفة ومؤجلة عمليا الى أجل غير مسمى، من دون حاجة الى أن يبشر وزير الدفاع الروسي العالم بذلك. ولا يعتقد أحد أنه سيكون متاحا استئنافها قبل تسلم ادارة اميركية جديدة مطلع السنة المقبلة، لان روسيا لن تبيع شيئا لادارة راحلة، وتفضل التعامل مع الرئيس الاميركي الجديد.

يتخذ كلام وزير الدفاع الروسي الذي ينعى العملية السياسية أبعاده في الإنذارات التي تعطى للمعارضة من أجل مغادرة حلب. وهو يشكل وفق مصادر ديبلوماسية ترجمة عملية للاقتناع بأن الهجوم الذي يستمر النظام بدعم من حلفائه الايرانيين ومن روسيا من أجل السيطرة على حلب، يعني رفضه لأي عملية مفاوضات سلمية وأفضليته من أجل حسم الوضع عسكريا لمصلحته. وهذا يسري على موسكو التي يؤشر موقفها من خلال التحذيرات التي توجهها الى المقاتلين في حلب الى الانسحاب منها بذريعة انتمائهم الى “جبهة النصرة”، لدعمها النظام، شأنها في ذلك شأن الدعم الذي تقدمه للنظام في مجلس الامن حيث استخدمت الفيتو لمصلحته خمس مرات حتى الآن. كما أن رسالتها الى واشنطن تصب في هذا الإطار انطلاقا من حرص موسكو على تحميل العاصمة الاميركية ما تقول إنه مسؤوليتها في عدم الفصل بين المعارضين والارهابيين، وتاليا مسؤوليتها عما يمكن أن يحصل في حلب. فموسكو اختارت وقتا حساسا بالنسبة الى واشنطن، أي قبل أسبوع واحد من الانتخابات الاميركية في 8 من الجاري، على نحو قد يؤشر لنية روسيا اختيار الوقت الضائع أميركيًا من أجل محاولة تسجيل أمر واقع في حلب طالت المحاولات من أجل حسمه من دون جدوى.

تتحفظ الاوساط الديبلوماسية عن أهداف عسكرية تنوي ان تحققها روسيا في سوريا، بحيث تفرض أمرا واقعا على الادارة الاميركية الجديدة عبر تمكين النظام من إعادة السيطرة على حلب، بحيث تكتمل معالم سوريا المفيدة. فهناك ثقة مفقودة بين الغرب وروسيا، لكن بين المعارك على الموصل والرقة، هناك علامات استفهام حول ما اذا كانت روسيا ستعمد الى زيادة وطأة ما تثيره العمليات العسكرية في هذين الاتجاهين من تبعات ليست قليلة على مستويات متعددة مع الاخذ في الاعتبار جملة أمور تتصل بانفتاحها على تركيا وعلى الدول العربية أيضا. وقد لفت هذه الاوساط تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد ايام قليلة ان هناك قنوات مستمرة لحل الازمة السورية على نحو يناقض ما ذهب اليه زميله في وزارة الدفاع.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى