يشكّل اجتماع موسكو في 20 ديسمبر/ كانون الأول الحالي منعطفاً رئيسياً في المسألة السورية لعدة أسباب. الأول أن اقتصاره على وزراء خارجية ودفاع روسيا وإيران وتركيا يعني أن الأطراف الثلاثة هي المعنية مباشرةً بإدارة الموقفين، الميداني والسياسي، في سورية، وأن ما صدر عنها (إعلان موسكو) سيتم اعتماده خريطة طريق. والثاني إبعاد الولايات المتحدة والأمم المتحدة كطرفين أساسيين معنيين بالمجريات السورية منذ بداية الثورة في مارس/ آذار 2011.
واللافت هنا استعجال موسكو لوضع القضية السورية في مسارٍ جديد. ومن هنا، كانت صريحةً، حين أعلنت قبل أيام عن وقف عملية التفاوض مع واشنطن بشأن تسوية الوضع في سورية. وفي ختام الاجتماع، قالت وزارة الخارجية الروسية إن الوزير سيرغي لافروف اتصل مع نظيره الأميركي، جون كيري، وأبلغه نتائج اجتماع موسكو.
وأضافت أن المفاوضات، التي تتوسط فيها الأمم المتحدة في جنيف وصلت إلى طريقٍ مسدود، بسبب شروط المعارضة السورية في المنفى، وصار واضحاً حسب “إعلان موسكو” أن البديل لمرجعية جنيف 1، التي جرت على أساسها المفاوضات السابقة، هو قرار مجلس الأمن 2254 الذي اعتمده قبل عام، وتعرّض لانتقادات واسعة من المعارضة التي اعتبرت أنه أسقط مسألة رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد.
أما السبب الثالث فهو غياب العرب والأوروبيين كلياً عن الترتيبات الجديدة، ولم يصدر عن موسكو، التي دعت إلى الاجتماع ورعته، أية إشارة إلى أنها تواصلت مع (أو أبلغت) الأطراف الإقليمية العربية المنخرطة في الأزمة، مثل السعودية وقطر، أو الأطراف الأوروبية كفرنسا التي تقف وراء قرار مجلس الأمن الجديد، الذي جرى التصويت عليه بالإجماع يوم الإثنين الماضي، ولم تعترض عليه روسيا، كاسرةً بذلك القاعدة التي سارت عليها طوال السنوات الماضية، إذ صوّتت، للمرة الأولى، لصالح قرارٍ دولي في مجلس الأمن من أجل نشر مراقبين دوليين في حلب، ولكنها ضغطت لتعديل النص بصيغته الفرنسية وأخرجته بشروطها، وتحديداً جعلت تنفيذ بند نشر المراقبين مربوطاً بالنظام السوري.
والسبب الرابع أنها تعاملت مع النظام السوري طرفاً في الأزمة، وليس الطرف الحصري، وهذا ما يفسر إبعاده عن طاولة المفاوضات الثلاثية، وقرّرت موسكو، مع الطرفين الإيراني والتركي، الخطوط العريضة “لاستئناف العملية السياسية في سورية وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، ونصّ الإعلان الذي صدر عن الاجتماع أن الدول الثلاث “تعبر عن استعدادها لتسهيل التفاوض بين الحكومة السورية والمعارضة، وتصبح الضامن لأي اتفاق”.
جاء اجتماع موسكو في خضم التطورات الميدانية السورية، فعمليات التهجير من حلب لم تكن قد بلغت نهايتها، كما أن الصورة غير واضحة على صعيد الخارطة العسكرية التي تشهد تداخلاتٍ كثيرة، من الجنوب مروراً بريف دمشق وحتى إدلب والرقة والحسكة. وبالتالي، هناك جملة من المهام العسكرية التي تحتاج إلى تسويةٍ قبل الدخول في أي حل سياسي.
ومع أن الوضع السوري يحفل بتعقيداتٍ لا حصر لها، فإن الدول الثلاث قرّرت أن تتخذ من اتفاقها حول حلب قاعدةً لاتفاقٍ يشمل سورية ككل. ومن هنا، يأتي حديث “الإعلان” عن “توافق الوزراء على توسيع وقف إطلاق النار”، وهي تطمح إلى أن يشمل كل سورية، الأمر الذي تعترضه عقباتٌ سياسيةٌ، منها على الخصوص تحديد من هي المعارضة السورية المدعوة للمفاوضات مع النظام، ووضع آلية لتطبيق القرار المذكور، وموقع الأسد من التسوية.
على الرغم من أن “إعلان موسكو” وضع خريطة طريق، إلا أن الصورة غامضة جدا، وحتى روسيا التي باتت الطرف الأقوى في المعادلة السورية، فإنها لا تمتلك أجوبةً محددةً عن الترتيبات اللاحقة، ودور كل طرف فيها. هذا في الوقت الذي تقف فيه تركيا وإيران على طرفي نقيض.
المصدر : العربي الجديد