مقالات

أحمد سلوم – وادي بردى ودمشق في مهب الريح

ليس مستغرباً ما يحدث على أرض سورية من انتهاك واضح وصريح للهدنة التي وافق عليها الأسد وحلفاؤه، إذ تمّ نقضها بعد مضيّ ساعات من بدئها، وليس مستغرباً أيضاً عدم اهتمامه بأكثر من ستة ملايين نسمة يقطنون العاصمة دمشق، الخاضعة لسيطرته، ولا يهمه إن ماتوا عطشاً، فحياتهم يعتبرها ثمناً بخساً في مقابل شهوته للسلطة.

عندما تطول فترة الحاكم في الحكم لا يفكر إلا في كيفية إجهاض الثورات والتربّص للمعارضة وتخويفها، وتشكيل أجهزة أمن حماية النظام، بغضّ النظر عن من يساعده وعن مصالحهم في الحفاظ عليه. وبذلك، تتغذّى لديه فكرة التوريث للأبناء، لانعدام الفارق بين الملكية العامة والملكية الخاصة.

يتابع بشار الأسد وحلفاؤه الإيرانيون مسيرتهم في تدمير سورية، حفاظاً على مصالحهم الشخصية بعيداً عن مصالح الشعب، فأهالي دمشق يتضوّرون عطشاً وليس جوعاً، جرّاء انقطاع المياه عنهم منذ ما يقارب عشرة أيام، من دون أن يأبه الأسد أو أعوانه للمواطنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل.

ما يحدث على أرض وادي بردى، البقعة الصغيرة القريبة من العاصمة دمشق، والتي تضم منبع المياه الرئيسي لأهالي دمشق وضواحيها، والذي دمرته الطائرات لتضغط على الثوار للتسليم والقبول بهدنة مذلة، وأن يقبلوا بمصيرهم بالركوب في الباصات الخضر، تاركين أحلامهم في الحرية وبيوتهم التي تربّوا فيها، بغية إكمال الهدف الأساسي في التغيير الديمغرافي لكامل ريف دمشق الغربي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى للضغط على سكان دمشق للرحيل والهجرة خارج بلدهم، هرباً من الموت وعطشاً، فالسياسة التي يتبعها الأسد لم تكن وليدة اليوم، وإنما اتبعها في الزبداني ومضايا.

ليس إيران والأسد هدفهما الوحيد التغيير الديمغرافي، وإنما قتل الحلم السوري في نيل الحرية والتحرّر من عبودية الظلم والقهر. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل نحن من يحرّض على القتل والتدمير أو من يوجّهها، وهل نحن الذين نسيّر الطائرات والدبابات ونحرّكها لتفتك بالشعب كاملا؟ أم أنّنا الذين أمرنا بقصف منبع المياه، فاشتعل وخرج عن العمل؟ أم أننا الذين أمرنا بموت الناس عطاشى؟

إنهم لن يستطيعوا هذه المرّة اتهامنا، وليس عندهم دليلٌ علينا، فالصور والوقائع تدل على أنّ النبع الذي يؤمّن المياه تدمّر بفعل البراميل المتفجرة التي لا يملكها سوى نظام الأسد، فنحن لا نقتل أولادنا وأهلنا، ولا نجهض أحلامنا، ولا نعقر رواحلنا، ومعركتهم هذه المرة ليست كغيرها من المعارك التي خاضوها في حلب أو غيرها، إنّها في هذه المرة معركة وجود أو لا وجود.

سورية أرضنا التاريخية التي عمرها أجدادنا وزرعها آباؤنا، ودُفن في ثراها شهداؤنا. إنها دمشق عاصمة الحضارة وحلب الشهباء وحوران أرض العطاء وحمص العدية وحماه الحصن المنيع، وغيرها من المدن السورية التي سطّرت التاريخ بروائع العلم والأدب والحضارة.

العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى