مقالات

فاروق يوسف – أستانة ليست جنيف.. افهموا روسيا

لا أحد ينتظر أحدا في السياسة. أما حين تدخل الحرب طـرفا في التفكير السياسي، فإن الأمور الاعتبارية غالبا ما توضع على الرف.

لذلك يبدو حديث المعارضة السورية عن مرجعية جنيف في مفاوضات أستانة المقبلة نوعا من التمني إذا تم عن معرفة، وإلا فإن الجهل لن ينفع أحدا.

روسيا التي فرضت أستانة من حيث لم يكن يتوقعها أحد، لن تكلّف نفسها عناء الالتفات إلى جنيف التي صارت تنتمي إلى ماض، كانت فيه الجبهات مختلفة وكان ميزان القوى على الأرض يشير إلى غير ما صار يشير إليه اليوم. ثم أين هم رعاة جنيف؟

تركيا التي تحضر مفاوضات أستانة لم تكن يوم كانت جنيف إلا طرفا منفذا للأجندة الغربية التي تتعلق بالحرب السورية. اليوم لم تعد كذلك. لقد رعت تركيا نهاية الحرب في حلب، كما أشرفت على اتفاق الهدنة الكبير الذي قاد إلى أستانة. كل ذلك التحول حدث برعاية روسية.

من الطبيعي ألا تأخذ تركيا بعد كل خيباتها مقررات جنيف معها إلى أستانة. ما سيجري في أستانة لن يكون مكمّلا لما شهدته جنيف في أوقات سابقة.

ليس معقولا أن يتم الترويج لبضاعة كسدت في وقت سابق.

ففي جنيف كانت الكرة في ملعب النظام، وهو ما لم تستفد منه المعارضة حين ظلت مصرّة على رفع سقف مطالبها. أما الآن وقد صارت الكرة في ملعب المعارضة، إذا كانت المعارضة لا تزال تملك ملعبا، فسيكون من الجنون ألا ترى المعارضة حجمها الحقيقي في المفاوضات.

ما خسرته المعارضة في جنيف لا يمكنها الحصول على جزء صغير منه في أستانة.

لقد خططت روسيا لتحول سياسي مختلف في سوريا، لن تكون فيه مرحلة انتقالية كما تتمناها المعارضة.

ذلك التحول الذي يأخذ في نظر الاعتبار بقاء بشار الأسد رئيسا إلى نهاية دورته، لن يؤدي إلى انتقال معارضي الخارج إلى موقع السلطة. حقيقة تعترف بها الأرض التي شهدت فصول الكـارثة السورية، إن لم يعتـرف بها أولئك المعـارضون الـذين ما كانوا يتمنون أن يتوقف القتال قبل سقوط الأسد.

لقد هُزم التوازن الذي كان معتمدا في معادلة جنيف. بعد حلب لم يعد الحديث عن معارضة خارجية ممكنا.

صار الحديث كله يتركز على المعارضة المسلحة، وهي معارضة داخلية استطاعت تركيا أن تضع قبضتها عليها.

ستكون محادثات أستانة تكريسا لمرحلة ما بعد حلب. إذا كان لدى معارضة الخارج شيء آخر فلتقله. أعتقد أن التحدي الروسي كان واضحا. إضافة إلى أن تركيا تعرف كل الأسرار.

كان هناك الكثير من الكذب المضلل تخلل وقائع السنوات الست العصيبة التي مرت بسوريا. وقد سعت دول كبرى إلى أن تغطي على حقيقة ما كان يجري على الأرض بالدعاية لمعارضة فقدت قدرتها على أن تحظى بأي قدر من التمثيل في الداخل السوري.

لقد انتهت الحرب بهزيمة الإرهابيين في حلب. تلك هي واحدة من أهم الحقائق التي تستند عليها مفاوضات أستانة. فهل يعترف المعارضون بتلك الهزيمة؟

إن لم يعترفوا بذلك فإنهم سيكونون متورطين بمستوى ما من العلاقة بالإرهاب. أما إذا اعترفوا فإن اعترافهم سيكشف عن انقطاع صلتهم بالداخل الذي زعموا زمنا طويلا أنهم يمثلونه.

مشكلة المعارضة أنها لم تكن تتوقع أنها ستُترك وحدها في مواجهة الدب الروسي. لن تكون تلك المواجهة إلا انتحارا. ما فعله الروس على الأرض مباشرة دفع العالم كله إلى الصمت. لم تعد كل البداهات السابقة صالحة للاستعمال.

أن تذهب المعارضة السورية إلى أستانة، إن دعيت، فهذا معناه أن تذهب خالية الوفاض.

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى