مقالات

بشير البكر – أسد من كرتون

يبقى تحديد مصير الرئيس السوري، بشار الأسد، اللغز الرئيسي في العملية السياسية، التي من المفروض أن يتم وضع جدول أعمالها يوم 23 من شهر يناير/ كانون الثاني الحالي في أستانة، برعايةٍ روسيةٍ تركية، وفق ما جاء في “اتفاق أنقرة” لوقف إطلاق النار الذي جرى الإعلان عنه يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ومثلما شكّل هذا الأمر نقطة الافتراق في كل جلسات المفاوضات منذ جنيف 1، فإنه يعتبر اللغم الجاهز للانفجار في كل لحظةٍ تتقدم فيها فرص الحل السياسي في سورية.

من دون جدال، يعتبر الأسد جزءاً من حصة إيران السياسية، فهي استثمرت الكثير منذ بداية الثورة السورية من أجل إبقائه في منصبه، وما كان لها أن تتدخّل بهذا القدر في المسألة السورية لو لم يتوفر لها، طوال السنوات الست الماضية، رجلٌ من طينة الأسد الذي سلم قراره السياسي ومصيره الشخصي لإيران، وبات يشكل، في نهاية المطاف، الضامن الوحيد لحصتها الجغرافية من سورية. وهذه الحصة صارت واضحة المعالم، وجرى العمل على رسم حدودها منذ معركة القصير في ريف حمص عام 2013 بالقتال الذي تكفل به حزب الله، ثم أتبعه بحرب التجويع والتهجير لأهالي ريف دمشق، وهذا ما يفسّر، حتى الآن، رفض المليشيات الإيرانية الالتزام بتطبيق وقف إطلاق النار في منطقة وادي بردى التي تعتبرها إيران ضمن دائرة غنائمها.

وحتى لا يبدو الحديث عن تحوّل الأسد إلى مجرد أداة في المشروع الإيراني، نورد هنا فقرات مما جاء في مذكرات جنرال الحرس الثوري الإيراني الذي قتل في سورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2015 حسين همداني، نائب قاسم سليماني وصاحب خطة إنشاء مليشيات الدفاع الوطني ( الشبيحة) في سورية التي لعبت دوراً هاماً في إطالة عمر النظام. وجاء في المذكرات التي صدرت حديثاً في طهران وبيروت بعنوان “رسائل إلى الأسماك”، قول همداني “نصحنا بشار الأسد في كيفية التعاطي مع التظاهرات بداية الأزمة، فلم يستجب، وأبدى الضباط السوريّون ممانعةً في التعاطي معنا، فأصر المرشد علي خامنئي على استمرار الدعم، لأن الوضع السوري يشبه المريض الذي يحتاج إلى دواء ولو رغماً عنه. وعندما أحسّ الرئيس السوري بالخطر؛ أرسل رسالة استنجادٍ بالمرشد، بدا فيها كـجندي يخاطب قائده، ثم أصبح الأسد وضباطه أكثر طاعةً لأوامر المرشد من بعض السياسيين في إيران”. ويخلص إلى أن الأسد أوكل لهمداني إنشاء مليشيات “الدفاع الوطني” وإعادة هيكلة قواته، وإبرام “المصالحات” في المناطق المختلفة.

حصل هذا كله عندما كان الأسد يتشدّق بـ “رفض التدخل الأجنبي”، و”الحفاظ على السيادة الوطنية”، والإشادة بـ “بطولات الجيش العربي السوري الباسل”. وينقل همداني عن المرشد “في أحد الاجتماعات، قال لنا خامنئي: بشار الأسد يحارب بالوكالة عن إيران، ويشارك في معاركنا بسورية”.

كان الأسد، طيلة الفترة الماضية، موضوع خلاف مع المعارضة. ولكن، إذا أراد الروس والأتراك نجاح الاتفاق بلا مواربة، فإنه سوف يتحول من الآن فصاعداً إلى قضية خلاف روسي إيراني، حيث يبدو، في جميع المقاييس، استحالة تخلي طهران عنه، أو أن يتمكّن الروس فرض بقائه، ليس على السوريين فقط، بل على المجتمع الدولي. وإذا اقتضت الصفقات الدولية رفع مصير الأسد عن جدول الأعمال، فإن السوريين لن يقبلوا بأي حلٍّ يبقي على الأسد والفريق المحيط به، وخصوصاً العسكر الذين تلطخت أياديهم بالدماء، فهو حلٌّ غير مقبول، ولا يمكن، تحت أي ظرف، التنازل عن حق محاسبة الأسد ومساعديه أمام المحاكم الدولية على جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبوها في سورية. وفي حال حصل عكس ذلك، ستتحمل العدالة الدولية المسؤولية الأخلاقية عن قتل أكثر من مليون سوري على يد الأسد وفريقه.

المصدر : العربي الجديد 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى