مقالات

موناليزا فريحة – انقلاب أبيض في أميركا !

قاب قوسين من تسلم ادارة أميركية جديدة السلطة الجمعة المقبل، يواصل الرئيس المنتخب دونالد ترامب محو آُثار سلفه الديموقراطي. من تفكيكه التدريجي لقانون الرعاية الصحية “أوباما كير” الى نفض النظام الضريبي وتغيير وجه المحكمة العليا، يمضي ترامب في تكريس واقع جديد للجمهوريين والديموقراطيين على السواء، موحياً بنمط جديد للحكم قد يكون غير مسبوق في الولايات المتحدة.

منذ بداية صعوده في الساحة السياسية، أثبت ترامب أنه شخص لا يمكن التنبؤ بأفعاله. ولم يغير فوزه في الانتخابات سلوكه هذا، لا بل هو يثابر عليه حتى اللحظة الاخيرة قبل دخوله البيت الابيض، ولا شيء يوحي بأنه سيتحول الى رجل آخر بين ليلة وضحاها. والمقلق ان ترامب يثبت أكثر فأكثر أنه لا يعير أياً من المناصب والقيم والشخصيات أهمية. فهو لا يزال يتصرف كمرشح للرئاسة لا كرئيس منتخب على عتبة البيت الابيض. وفي هذا لم يتوان عن مهاجمة النائب جون لويس الذي يعتبر من أبرز شخصيات حركة الدفاع عن الحقوق المدنية، ورفيق درب مارتن لوثر كينغ، وذلك لمجرد اعلانه أنه لن يحضر مراسم تنصيبه يوم الجمعة. وليست فكرة نقل مقر الصحافيين بعيداً من قاعات البيت الابيض إلا مفاجأة أخرى نزلت كالصاعقة على وسائل الاعلام وأعادت الى الذاكرة صور الصحافيين يقفون عند سياج البيت الابيض أواخر القرن التاسع عشر.

أما القنابل المدوية التي فجرها ترامب في حديثه الى صحيفتي “التايمس” البريطانية و”بيلد” الالمانية فهي بذاتها انقلاب جذري في السياسات الخارجية لبلاده عموماً، وحيال أوروبا، الشريك الاستراتيجي، خصوصاً.

بدا ترامب في حديثه عن حلف شمال الاطلسي الذي وصفه بأنه “بال” وعن الاتحاد الاوروبي الذي توقع تفككه، أقرب الى موقف بوتين من هاتين المؤسستين اللتين طالما كانتا شريكتين أساسيتين لأميركا في الحرب والسلام.

أما عرضه رفع العقوبات عن روسيا مقابل تقليص موسكو أسلحتها النووية ففاجأ الاميركيين والروس على السواء، خصوصاً أنه أظهر جهل الرئيس المنتخب لقيمة السلاح النووي لبلد كروسيا أو لأي بلد آخر. حتى أن الناطق باسم الكرملين رد عليه باستخفاف، قائلاً إن موسكو ليست متلهفة لرفع العقوبات إلى درجة استعدادها “للتضحية بشيء، وخصوصاً في ما يتعلق بأمنها”.

يومان يفصلان العالم عن تنصيب إدارة جديدة في لحظات ستكون تاريخية بمعايير عدة. لحظات تؤذن بصفحة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة بعد فترة انتقالية استثنائية أوحت بنمط جديد من الحكم. نمط لا يشبه ما عرفه زعماء العالم مع الحكام السابقين لأميركا.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى