مقالات

خير الله خير الله – سوريا… بالجملة والمفرق

من أجل البقاء في دمشق، يبيع النظام السوري البلد بالجملة والمفرّق غير مدرك أن لا شيء يفيده في هذا المجال، لا لشيء يمكن أن ينقذه، لا لشيء، سوى لأنّه صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة. منذ اليوم الذي بدأت فيه ثورة شعبية في آذار – مارس من العام 2011، أي قبل ست سنوات وشهرين. لو كان في استطاعة هذا النظام حكم سوريا، لكان قضى على هذه الثورة الحقيقية باكرا.

لو كانت هذه الثورة مزيّفة ومفتعلة كما يدّعي النظام ومساندوه، لكان كلّ شيء عاد إلى وضعه الطبيعي بعد ست سنوات، أو أقلّ منها بقليل، على خروج المواطنين إلى الشارع. لن ينقذ النظام يوما بيع البلد بكل مرافقه وثرواته، والتوصل إلى صيغ تحصل بموجبها روسيا على ما تريده وإيران على ما تشتهيه.

ماذا بعد ذلك؟ هل هناك من يمتلك حدّا أدنى من العقل والتعقّل يعتقد أن في استطاعة بشّار الأسد حكم سوريا في يوم من الأيّام في حال التوصّل إلى وقف للنار وبدء عملية تصب في تحقيق تسوية سلمية؟ ماذا عن الملايين المهجرة؟ ماذا عن الخمسمئة ألف قتيل؟

كلّ ما يستطيع النظام عمله يتمثّل في المساهمة في بلوغ هدف واحد، هو تفتيت سوريا والقضاء على النسيج الاجتماعي فيها. يدل ما توصّل إليه النظام من اتفاقات شراء وبيع مع كلّ من روسيا وإيران على غياب تام في الرؤية وتخبط ليس بعده تخبّط، خصوصا أن بشّار الأسد عاجز عن اللعب على حبل التناقضات الروسية ـ الإيرانية التي ليس معروفا الحد الذي ستبلغه.

يظنّ أن في استطاعته تأليب روسيا على إيران، وإيران على روسيا، غير مدرك أنّ هناك وقائع جديدة على الأرض، وأن هناك مشروعين روسي وإيراني لا يمكن المقارنة أو التوفيق بينهما، خصوصا بعدما تكوّنت شبكة من المصالح ليس معروفا هل تبقى إيران خارجها أم تنضمّ إليها بصفة كونها شريكا صغيرا وثانويا يمتلك مشروعا خاصا به غير قابل للتحقيق لأسباب عدة. في مقدّمة هذه الأسباب أن لا قدرة لإيران على تغيير المعادلة الديموغرافية كلّيا، بغض النظر عن الذي تفعله في دمشق ومحيطها وعلى طول الحدود اللبنانية – السورية بمساعدة الميليشيا المذهبية اللبنانية المسمّاة “حزب الله”.

انعقد مؤتمر أستانا بدعوة روسية – تركية – إيرانية ومشاركة أميركية عبر السفير في كازاخستان. قبلت الإدارة الأميركية الدعوة إلى المؤتمر، لكنّها فضلت اتخاذ دور المتفرّج حيال ما يدور في سوريا، في انتظار بلورة سياسة محددة تنوي اتباعها بعد مرور فترة معيّنة على دخول دونالد ترامب البيت الأبيض واستكمال عملية تشكيل إدارته.

سيبدأ الكلام الجدي بعد الإعلان عن الموقف الأميركي من سوريا، خصوصا أن روسيا تبدو حاليا في وضع مريح إلى حدّ كبير في ظلّ شبكة العلاقات القائمة. فروسيا على علاقة عميقة بتركيا التي تغيّرت كليا في غضون أقلّ من سنة، خصوصا بعد المحاولة الانقلابية التي استهدفت الرئيس رجب طيب أردوغان الصيف الماضي واكتشافه أن ليس في استطاعته بعد الآن الاتكال على الحليف الأميركي. أكثر من ذلك، رمّمت تركيا علاقتها بإسرائيل. تجاوزت الشعارات الفارغة التي أطلقها أردوغان في شأن قطاع غزّة ورفع الحصار عنه. توصّلت إلى تسوية مع إسرائيل أعادت العلاقات إلى طبيعتها بين أنقرة وتل أبيب.

كذلك، إن روسيا على علاقة قويّة بإسرائيل. هناك تنسيق كامل بين فلاديمير بوتين وبنيامين نتانياهو في شأن كلّ ما يدور في سوريا. لم تقدم روسيا على أي خطوة في سوريا من دون التشاور مع إسرائيل والتفاهم معها عبر غرفة العمليات المشتركة. والعكس صحيح.

لو تُرك الأمر لإيران، لما كان هناك مؤتمر أستانا. يبدو كلّ شيء مدروسا بين روسيا وتركيا وإسرائيل. لم يكن أمام إيران سوى الحضور لتأكيد أنّها لاعب في سوريا، وأن لديها مصالحها في هذا البلد المدين لها بما يزيد على ثلاثين مليـار دولار تستعيـدها نتفا، عبر رخصة لشبكة هاتفية أو أراض شاسعة تأمل في تحويلها مستوطنات إيرانية تطوق دمشق، وتمتلك امتدادات في اتجاه الأراضي اللبنانية التي يسيطر عليها “حزب الله”.

ما يعزز الموقف الروسي العلاقة المميزة التي تربط ترامب بنتانياهو الذي دعاه الرئيس الأميركي إلى واشنطن مطلع الشهر المقبل. كانت المكالمة الهاتفية بين ترامب ونتانياهو ملفتة. هذا ليس عائدا إلى أنّ الرئيس الأميركي سينفّذ وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، متجاوزا كلّ قرارات الشرعية الدولية في هذا الصدد فحسب، بل إلى أنّه أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي ضوءا أخضر يسمح له بمتابعة الاستيطان في الأراضي المحتلة أيضا. لم تمض دقائق على المكالمة حتّى أعلنت إسرائيل بناء وحدات سكنية جديدة في القدس الشرقية مؤكّدة أن قرارات الشرعية الدولية لا تعنيها وأن الاحتلال، الذي هو ذروة الإرهاب الذي يمكن أن تمارسه إحدى الدول جزء لا يتجزّأ من سياستها.

تحوّلت إسرائيل إلى قاسم مشترك بين روسيا والولايات المتحدة، في وقت تبدو تركيا غير بعيدة عن المعادلة الجديدة التي تتحكّم بما يدور في سوريا والشرق الأوسط.

أين موقع إيران في هذه المعادلة، علما أن لروسيا مصلحة في المحافظة قدر الإمكان على مؤسسات الدولة السورية والدخول في مصالحة مع أهلها، على رأسهم أهل السنّة. وهذا سيتطلب التخلي عن بشّار الأسد عاجلا أم آجلا. تعرف روسيا قبل غيرها أن إعادة بناء الجيش السوري ومؤسسات الدولة، في حال كان ذلك ممكنا، تتطلب مصالحة مع السنّة الذين ما زلوا يشكلون أكثرية كبيرة في البلد على الرغم من كلّ حملات التطهير العرقي التي قادتها إيران والميليشيات المذهبية التابعة لها.

من الطبيعي في ظل هذه المعطيات حصول اشتباك روسي – إيراني، وتناتش لسوريا ومحاولات لاستغلال نظام مفلس لا يعرف أن سياسة بيع البلد بالجملة والمفرّق لن تأخذه إلى أيّ مكان باستثناء أنّها ستضمن، وهذا ما يأمل به، بأن لا تقوم قيامة لسوريا في يوم من الأيّام.

ما هو طبيعي أكثر التفكير في الوضع الجديد الذي سينشأ على طول خط وقف النار بين سوريا وإسرائيل. هل تقبل إيران الدخول في لعبة تبدو إسرائيل طرفا فيها كي تكون شريكا ثانويا في معادلة ليست قادرة على التحكّم بها؟

كلّ ما يمكن قوله في نهاية المطاف، أن كلّ الألاعيب التي مارستها إيران في السنوات القليلة الماضية انقلبت عليها، بما في ذلك الترويج للنظام السوري بطبيعته المذهبية والطائفية. هذا النظام شريك في قيام “داعش”… وكل ما تبقى تفاصيل. لا حرب ناجحة على الإرهاب بكلّ أشكاله و”دواعشه” الشيعية والسنّية قبل التخلص من النظام السوري الذي أتقن منذ قيامه لعبة الابتزاز ولا شيء آخر غير هذه اللعبة التي لا يعرف غيرها…

متى يحصل ذلك. هل يحصل قبل الانتهاء من سوريا… أم في مرحلة يظل فيها من الممكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

المصدر : العرب 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى