مقالات

روزانا بو منصف – روسيا من المنقذ للنظام إلى “الوسيط” انتداب يستعيد تجربة سوريا في لبنان

أعطت روسيا المؤشرات لانتقالها من الدور الذي اضطلعت به لإنقاذ النظام السوري من الانهيار وفقا لما اعلن وزير خارجيتها سيرغي لافروف قبيل بدء مفاوضات أستانا في قازاقستان، الى أداء دور وسيط يحاول أن يقدم حلا سياسيا لسوريا او يبلوره وفقا للرؤية الروسية على الاقل، بسرعة وقبل بدء الادارة الاميركية برئاسة دونالد ترامب الذي ينتظره الكثير من الحلفاء الاقليميين والاوروبيين قبل ان يقولوا كلمتهم في ما يجري. هناك طبعا الغطاء الذي قدم من مجلس الامن بدعم وقف النار وفقا لتعديلات أقرها على مشروع القرار المتعلق بالخطة الروسية التركية للحل في سوريا، وفق ما جاء في المقترح الروسي والتحفظات الدولية التي قدمها مختلف الافرقاء في انتظار نتائج ما ستسفر عنه مفاوضات أستانا قبل انتقالها الى جنيف في الثامن من الشهر المقبل.

وحذرت روسيا، تزامنا مع انعقاد المفاوضات في أستانة، النظام السوري بحزم من ارتكاب خروق جديدة للهدنة انطلاقا مما رصده “مركز المصالحة” في قاعدة حميميم الجوية، ولم توارب في الاعلان انها قدمت الى وفد المعارضة السورية الذي جلس الى الطاولة في أستانا نسخة من الدستور السوري الذي أعده وفقا لما قالت موسكو خبراء روس، وذلك في إشارة قوية الى ان روسيا تضع النظام السوري في اطار الفريق في موازاة الفريق الآخر، من دون أفضلية تفاوضية، حتى لو انها عززته مسبقا بمساعدته على إعادة السيطرة على حلب، كما أن روسيا دعت وفد المعارضة الى لقاء معها خلال هذا الاسبوع قبل التحضير للاجتماع المقبل في جنيف. والدستور الذي قالت روسيا ان خبراء روسا وضعوه وأعطته للمعارضة لتبدي رأيها، سبق ان اعطته للرئيس السوري الذي نفى أن يكون اي طرف خارجي يعدّ الدستور لسوريا، على أساس ان السوريين انفسهم هم من يضعون الدستور، علما انه تبين على عكس ما ذهب اليه، انه لا يستطيع ان يجمع السوريين للتحاور معهم، بل هو في حاجة الى دول خارجية للمساعدة، وكذلك بالنسبة الى صياغة الدستور.

وهذا لا يعني خسارة النظام أوراقا أساسية، بل ثانوية، وان تكن مهمة ما دام كان حصل في موازاة ذلك على اقرار من نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش بأن “رحيل بشار الاسد غير واقعي في الوقت الراهن”، موضحا أنه “لم يعد في إمكاننا مواصلة الاصرار على التسوية بلا الاسد”. وهذا هو المكسب الحقيقي للرئيس السوري راهنا، أي تثبيت بقائه جزءا اساسيا من التفاوض، بغض النظر عن نهايات هذا التفاوض أو نهاية التسوية في ذاتها، والتي يلتقي كثر من الخبراء المتابعين للشأن السوري على أنها لن تكون قريبة على رغم مشهد أستانا والموقف التركي الذي أعطى ملمحا كبيرا في هذا الاتجاه منذ تقاربه مع موسكو قبل أشهر.

ينبغي الإقرار بأن روسيا خفضت مستوى ما ينتظر من أستانا، لكنها اخرجت مسودة الدستور كأرنب من كمها، وقدمته الى المعارضة. إلا هذا المشهد في صورته الكبرى هو بمثابة الامر البديهي أو ما سبق رؤيته. والواقع أن حربا داخلية تجتمع فيها عوامل محلية واقليمية ودولية لن تحل بارادة اهل البلد وحدهم، وفق ما يعرفه السوريون أنفسهم الذين اقتطعوا لانفسهم أدوارا مشابهة لتلك التي تضطلع بها روسيا أحيانا، أو حتى تركيا او ايران، وذلك ابان انخراط سوريا في الحرب اللبنانية. وهناك مكابرة في الزعم أن الافرقاء الداخليين يمكن ان يتفقوا وحدهم من دون مساعدة خارجية، علما أن هذه المساعدة في حال كانت كالمساعدة السورية ابان الحرب، فهي تعني شبه انتداب او وصاية في حال أخذت الاتفاقات التي وقعها النظام السوري مع روسيا، في شأن القواعد العسكرية او في شأن الخدمات والصفقات مع روسيا او مع ايران على غرار ما استفادت منه سوريا في تجذير حضورها في لبنان عبر امور مماثلة.

وسوريا كذلك انخرطت طرفا في الحرب في لبنان قبل ان تعود فتطرح نفسها كوسيط بين اللبنانيين ابان التفاوض من دون اهمال موقعها ومصالحها، وهو ما يعتقد ديبلوماسيون مراقبون انه يجري في أستانا كما سيجري لاحقا، وإن تحت رعاية الامم المتحدة، انطلاقا من ان الحل لن يستند الى ما حصل حتى الان باعتباره كان ناقصا عدديا وسياسيا، والامور لن تستوي في ظل التعقيدات المحيطة بالازمة السورية عند هذا الحد.

وهذا يعرفه الجميع، باعتبار ان عناصر تسوية حل سياسي حقيقي ووفاقي لن تتوافر من ضمن الصياغات التي تتم بها الامور راهنا، والتي قد تكون هذه الاخيرة بمثابة خطوة على طريق الالف ميل او محطة من ضمن خريطة طريق معروفة مبدئيا، لكن صعب الوصول اليها عمليا من ضمن المعطيات الراهنة. ولذلك، فإن المغزى الذي يمثل تحديا يتمثل في رأي هؤلاء المراقبين في مدى انخراط روسيا في دورها الجديد واذا كانت ستقرع النظام عند اي خرق لوقف النار او انها ستبرر له هجومه على من استمر يطلق عليهم تصنيف “إرهابيين”، فيما جلس معهم الى طاولة المفاوضات، بذريعة أن “النصرة” والتنظيمات المتطرفة لا تدخل ضمن تثبيت وقف النار. فالكرة في ملعب روسيا لتحديد دورها الجديد الذي أعطت فيه اشارات جديدة مختلفة، وما اذا كان يمكن ان تلجم ليس اندفاع النظام فحسب، بل ايضا اندفاع ايران لتحديد أطر مصالحها ورسم الخطوط على الارض، اذ ان هناك عملية قضم يحاولها النظام وفق ما يرى المراقبون جنبا الى جنب مع إيران. ومع أن تركيا مسؤولة ايضا، وكذلك ايران، فإن المسؤولية هي في خانة روسيا في الدرجة الاولى.

المصدر : النهار 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى