أثناء حملته الانتخابية كان المرشح الرئاسي دونالد ترامب يكرر أن الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته الدول الست «صفقة سيئة جدا» وقال إن إعادة النظر في الاتفاق سيكون الأولوية الأولى على جدول أعماله بعد دخوله البيت الأبيض. كما صرح مؤخرا مستشار ترامب أثناء الحملة الانتخابية غابرييل صوما «إن إدارة الرئيس الأمريكي ستعيد النظر في الاتفاق النووي مع إيران لتعارضه مع مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط».
وقبل أن نخوض في الخيارات المطروحة أمام الإدارة الأمريكية نود أن نوضح مجموعة من الحقائق المهمة:
أولا- ان الاتفاقية التي وقعت رسميا بتاريخ 24 تشرين الأول/نوفمبر 2014 واعتمدت في لوزان بتاريخ 14 تموز/يوليو 2015 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 2016 بعد استلام مجلس الأمن التقرير الأول من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أكد اتخاذ إيران خطوات عملية تنفيذا للاتفاق كما نصت عليها الفقرة 15. والاتفاقية تحمل توقيع ست دول أطلق عليها 5+ 1بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، فالخمس هم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن والدولة الإضافية هي ألمانيا.
ثانيا ـ ان الجهة المخولة بمراقبة تنفيذ الاتفاقية هي اللجنة الدولية للطاقة الذرية، إذ ترفع تقارير دورية لمجلس الأمن عن مدى إلتزام الطرفين الأساسيين بتنفيذ الاتفاقية وما إذا كان أحدهما ينتهك أيا من بنودها. ووقعت إيران مع الوكالة اتفاقا في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2015 يقضي بزيادة عدد المفتشين الدوليين واعطائهم حرية النفاذ لكافة المنشآت النووية.
ثالثا- الجهة التي تملك صلاحيات فرض عقوبات في حالة ما إذا ضبط طرف من الأطراف الموقعة في حالة انتهاك للاتفاقية هي مجلس الأمن فقط. فمجلس الأمن هو الذي اعتمد سلة من العقوبات على إيران جسدها في ستة قرارات عندما لم تتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولم تمنح المفتشين الدوليين حرية التحقق والتفتيش دون قيود على منشئاتها النووية. فقد اعتمد مجلس الأمن القرار 2231 بتاريخ 20 تموز/يوليو 2015 ورحب بالاتفاقية واعتمدها وأقر بموجبها إلغاء قرارات المجلس المتضمنة سلة العقوبات عن إيران.
بعد وضع هذه النقاط الثلاث الأساسية نعود للسؤال المركزي هل يستطيع ترامب إلغاء الاتفاقية المذكورة أو اعادة المفاوضات عليها وتعديلها باضافة أو حذف بنود منها أو تقوية بعض النقاط أو اضافة ملحقات جديدة وضمانات؟
الجواب بكل بساطة لا- أو إنه لأمر صعب جدا. لماذا؟
من الناحية القانونية
للاتفاقية طرفان، إيران ومجموعة الخمسة + واحد، كما أسلفنا، فلا يجوز لدولة واحدة ضمن الدول الست التي وضعت تواقيعها على الاتفاق مع إيران أن تصادر حقوق الدول الخمس الأخرى بإلغاء الاتفاقية. يستطيع أي عضو من الدول الأعضاء الستة أن ينسحب من الاتفاقية إذا كان دستور البلاد وقوانينها يسمحان له بذلك. فكي يتم إلغاء الاتفاقية من الناحية القانونية على الطرفين المتعاقدين أن يتفقا معا على إلغائها أو أن يقوم أحدهما بالانسحاب منها. وفي هذه الحالة إما أن تنسحب إيران أو مجموعة الدول الست. وبما أن الولايات المتحدة غير مخولة أن تتحدث أو تتصرف بما يخص المجموعة بكاملها إذن ليس من حقها أن تلغي الاتفاقية.
الخيار الوحيد المطروح أمام الرئيس الأمريكي هو الانسحاب من الاتفاقية. وعلى أهمية الولايات المتحدة ومركزية دورها يمكن للاتفاقية أن تستمر لكنها بالتأكيد ستتعرض لضربة قوية. والسؤال التالي هل يستطيع أن ينسحب ترامب من الاتفاقية بقرار تنفيذي فردي؟ هنا يأتي دور القانون الأمريكي. فما يتم التصديق عليه في الكونغرس يصبح قانونا ساري المفعول إلا إذا قام الرئيس بعد التصويت عليه باستخدام الفيتو وهو حق منصوص عليه في الدستور. وكي يـلغي الكونغرس فيتو الرئيس يحتاج إلى ما يسمى «فيتو على الفيتو» وهذا يتطلب تصويتا بثلثي أعضاء الكونغرس وهو أمر في غاية الصعوبة لأنه يحتاج إلى هروب جماعي من الحزب الجمهوري والتصويت إلى جانب النواب الديمقراطيين. وهذا أمر مستبعد.
من الناحية السياسية
كأي اتفاقية جماعية يجوز لأحد الأطراف أن ينسحب منها لكن لا يستطيع إلغاءها. لكن لكل شيء ثمن. فالاتفاقيات التي تأتي نتيجة مفاوضات متكافئة تنجح بمقدار ما تستفيد منها الأطراف المتعاقدة. أما إذا كانت مائلة لصالح طرف واحد فيصبح تنفيذها خضوعا واستسلاما وقهرا. فليس من مصلحة إيران أن تنسحب من الاتفاقية بعد أن حصلت على رزمة مكاسب إبتداء بتحرير 400 مليون دولار فورا ومن ثم تحرير مليارات الدولارات المجمدة في البنوك الأمريكية وإزالة الحظر على شراء الذهب والمعادن الثمينة وعلى صناعة السيارات والمواد البتروكيميائية وتصليح الطائرات المدنية في الخارج.
أما الدول الست فقد ضمنت أن الاتفاقية ستلغي قدرة إيران على إنتاج أو الوصول إلى مرحلة إنتاج السلاح النووي. والمفتشون هم الذين سيحققون من ذلك وليس التواقيع على الأوراق. إيران من جهتها أكدت على لسان رئيسها أن هذا الاتفاق ليس ثنائيا بين دولتين- الولايات المتحدة وإيران، بل هو متعدد الأطراف ويحمل تواقيع فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا أيضا.
من الناحية الإدارية الداخلية
ليس كل أعضاء الفريق الذي يعمل مع ترامب مؤيدا لإعادة النظر بالاتفاقية. فمثلا وزير الدفاع جيمس ماتيس كان من الناقدين للاتفاق وللسياسة الإيرانية قبل التوقيع ولكنه قال في جلسة التصديق على تعيينه في الكونغرس عندما سئل عن الاتفاق، على الإدارة القادمة أن تحترم الاتفاقية. «أعتقد أن هذا الاتفاق ليس مثاليا وهو يتعلق بنزع الأسلحة الإيراينة وليس معاهدة صداقة. ولكن عندما تعطي أمريكا كلمتها يجب أن تحترم هذه الكلمة. وسنقف لوحدنا لو عملنا على إلغاء الاتفاقية كما أن العقوبات الاقتصادية الفردية من طرفنا لن يكون تأثيرها كبيرا مثل تلك العقوبات التي تمثل نهجا جماعيا للحلفاء».
ريكس تيليرسون، وزير الخارجية، قال أثناء جلسة التصديق على ترشيحه للمنصب، «سأقترح إجراء مراجعة شاملة للاتفاقية» لكنه لم يذكر قضية الإلغاء أبدا. حتى ترامب نفسه يحاول الآن أن يبحث عن مخرج حيث صرح مؤخرا بانه سيلعب دور الشرطي في مراقبة تنفيذ هذا «العقد» (كرجل أعمال لا يفكر إلا بلغة الصفقات ولم يستخدم كلمة اتفاقية) بحيث لا أترك لهم (للإيرانيين) أي فرصة (للتملص). عضو مجلس الشيوخ الجمهوري بوب كروك، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قال إن إلغاء الاتفاقية من الطرف الأمريكي سيزيد في عزلة الولايات المتحدة وسيؤدي إلى عزل روسيا عن المجموعة وتعثر أي محاولة لتحسين العلاقات مع الرئيس بوتين كما وعد ترامب نفسه.
الخطر الإيراني
إذا استطاعت إيران وهي واقعة تحت عقوبات حادة وشاملة أن ترفع عدد أنابيب الطرد من 164 عام 2003 إلى 19،000 عام 2013 فكيف سيكون الحال إذا تم إلغاء الاتفاقية ورأت إيران نفسها مهددة من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة؟ من المتوقع أن يكون الرد بالانسحاب الرسمي من الاتفاقية والاسراع وبشكل غير مسبوق في تخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى مما قد يثير مخاطر إسرائيلية أمريكية قد تدفع إلى القيام بمغامرات عسكرية لتدمير بعض المنشآت النووية والتي قد لا تمنع استمرار إيران في برنامج التخصيب ولكن قد تعثره قليلا وستلتف الأمة الإيرانية بكاملها حول قيادتها والتي ستتجه إلى التطرف وتسخين المنطقة أكثر خاصة إذا غامرت بعض دول الخليج بالتحالف مع إسرائيل وأمريكا في أي مغامرة عسكرية، وسيكون لهذا التحالف المكشوف ردود فعل كبيرة جدا حتى على مستوى الشارع العربي الذي لا يمكن منطقيا أن يقف مع التطرف الإسرائيلي وعنجهية ترامب وعنصريته.
إذن النتيجة التي نخلص إليها أن إلغاء الاتفاقية أمر صعب جدا ومكلف وفيه إنتهاك للقانون الدولي واستخفاف بمجلس الأمن واللجنة الدولية للطاقة الذرية وإهانة للدول الخمس والاتحاد الأوروبي وللجهود الجماعية التي كادت أن تدمر الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات التي فرضت عليها عن طريق المنظمة الدولية مما أضطرها أن تأتي إلى طاولة المفاوضات بنية التوصل إلى إتفاق شامل للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي وجدت نفسها فيها فآثرت أن تتخلى عن البرنامج النووي مقابل التعافي الاقتصادي والسياسي والمالي والعودة إلى المجتمع الدولي ومعها براءة ذمة من العمل على امتلاك السلاح النووي.
المصدر : القدس العربي