يحتاج دونالد ترامب وجماعته حرباً. ولأنه لا يليق بأميركا العظيمة، العائدة إلى قوتها بقيادة هؤلاء، أن تكون الحرب الملحّة هذه مع تشكيلٍ فالت اسمه داعش، ولأن مواجهة أشباح هذا التنظيم وأشباهه من النوافل البديهية، فإن العدو المستهدف في الحرب المطلوبة يحسُن أن يكون ذا وزنٍ ومكانة.
كما أن الذرائع لا يجوز أن تكون من نوع الهنات الهيّنات، وإنما من عظائم الأفعال وكبائرها. وتلزم لحربٍ مثل هذه، كما لأيّ حربٍ، لغة تأزيمٍ وتصعيدٍ وتوتير، وهذه ميسورةٌ ومعجمُها متاح. … يبدو أن ترامب ومستشاره الأوثق ستيف بانون ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين، ومساعدون من أمثالهما، يكزّون أسنانهم وهم يرسمون هذه الخطة، وقد اتفقوا على أن إيران خيارٌ أمثل لحربٍ يُحبّذ أن تقع مبكرا، ذلك أن “العين الحمراء” وحدها ما يجب أن تُرى لدى الإدارة التي تعمل على إعادة أميركا إلى حيث قوّتها في العالم. وعندما يبحث هؤلاء عن سببٍ لخيارهم هذا، فإنهم يجدون الإرهاب وحده، ولا شيء غيره، وهو قضية القضايا أصلا، ولأن الكلام ليس عليه أيّ جمرك، فلا مدعاة للّعثمة حين القول، مثلا، إن إيران هي الداعمة الأولى في العالم للإرهاب.
ولكن، إنْ بدر سؤالٌ، في الأثناء، عن دواعي حربٍ مع إيران التي لم يمسّ “إرهابها” مواطنا أميركيا واحدا، فإن تجاهل الإجابة أصوبُ وأنفع. أما إذا طخّت أميركا ترامب الطلقة الأولى، فإلى أين ستكون، هل في إيران نفسها أم في خارجها؟ هذا سؤالٌ يُعنى به جنرالات البنتاغون، ولا يجوز أن يكون من مشاغل الصحافيين الثرثارين المُضجرين. وبشأن ردّ إيران، وقد أبلغت ترامب نفسَه إنه سيندم، وقالت إن الأهداف الأميركية على مقربةٍ منها في البحرين مثلا، هل هو موضوعٌ في حسابات الجنرالين السابقين مايكل فلين، ووزير الدفاع جيمس ماتيس؟
نراقب، نحن العرب، وخصوصا في عواصم دول الخليج، هذا المشهد، بانتباهٍ خاص، وفينا سؤالٌ عن الذي يخصّنا منه، وهو كثير. ومن منظورٍ مبدئي عام، يقوم على نبذ خيار الحروب والمغامرات العسكرية، ومن منظورٍ مصلحي واضح، بالنظر إلى تأثيراتٍ سالبةٍ غير هيّنة ستصيبنا جرّاء مواجهةٍ عسكريةٍ أميركيةٍ إيرانيةٍ، غير مستبعدة، كما يقول أكثر من مسؤول خليجي، فإن من الصالح العربي العام، والخليجي خصوصا، أن لا تنشب حربٌ من هذا النوع، وفي الوقت نفسه، من هذا الصالح نفسه، أن يخفّف ترامب ومجموعته منسوب مرجلتهم، فيرعووا، ويتخيّروا، إن وضعوا عقولهم في رؤوسهم، ما هو أقلّ كلفة ووطأة، ويُحبط السعي الإيراني، الراهن والمتواصل، إلى استباحة الجوار العربي، وإلى إعادة “الإمبراطورية الساسانية وعاصمتها بغداد”، كما في كلامٍ ذائع في طهران، سمعه باراك أوباما وجون كيري غير مرّة، وقابلاه بالخرس.
لا تُشترى بضاعة ترامب وفريقه عن محاربة إيران بزعم محاربة الإرهاب. ولسنا من السذاجة لنغتبط بتغريدات الرئيس الأميركي وتصريحاته في هذا الشأن. وقصارى القول، في صدد هذا اللعب العابث بالنار، إن في وسع إدارة ترامب أن تصنع لنفسها صورةً أخرى، إذا ما استبدلت سياسة كزّ الأسنان، وانصرفت، بشأن إيران، إلى جهد سياسي دؤوب، مقرونا بترتيباتٍ عسكرية بالتنسيق مع قوى الإقليم، من أجل أن تغادر مليشيات إيران وتوابعها مفاصل الحكم والقرار، وميادين المعارك ذات الرايات المذهبية غير الخافية، في سورية والعراق واليمن. ولنا أن نخمّن في وصول المدمرة كول إلى قبالة الساحل اليمني ما يشبه إيذانا بشيء من هذا، وإنْ بحذرٍ في القراءة، وتحوّط كثيرٍ في الاجتهاد والاستنتاج. ولا يزيد واحدُنا في الطنبور وترا إذا قال إنها سياسةٌ خائبةٌ مقايضة طواقم ترامب روسيا بإطلاق يدها في سورية في مقابل استقواءٍ أميركي على إيران، وتدلّ على أن الذيل قصيرٌ في البيت الأبيض.
من المبكّر حسم المآل الذي سينتهي إليه الاشتباك الكلامي المتصاعد بين طهران (يشارك فيه محمد خاتمي) وواشنطن، إن كان سيصير حرباً أم نزولاً متدرّجاً عن الشجرة العالية. ولكن، من اللازم، من الآن ومن دون ملل، أن يسمع ترامب من العرب، الحلفاء والأصدقاء والبيْن بيْن، إن ثمة ألف وسيلةٍ ووسيلةٍ يمكن بها تطويق إيران، ليس منها الحرب.
المصدر : العربي الجديد